للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"ما دلّ" فـ"مَا" من ألفاظ العموم، فهو جنس بعيد، والجيّد أن يُقال: "كلمة"، أو "لفظة"، أو نحوهما؛ لأنهما أقربُ إلى الفعل من "مَا".

فإن قلت: "مَا" ها هنا وإن كان عامًّا؛ فالمراد به الخصوص، ووضعُ العامّ موضع الخاصّ جائزٌ، قيل: حاصلُ ما ذكرتم المَجازُ، والحدّ المطلوب به إثباتُ حقيقة الشيء، فلا يستعمل فيه مجازٌ ولا استعارةٌ.

والآخر: قوله "على اقتران حدث بزمان", لأن الفعل لم يوضع دليلًا على الاقتران نفسه، وإنمّا وضع دليلاً على الحدث المقترن بالزمان، والاقترانُ وُجد تَبَعًا، فلا يُؤْخَذ في الحدّ على ما تقدّم. ثمّ هذا يُبْطَل بقولهم: "القتالُ اليومَ"، فهذا حدثٌ مقترنٌ بزمان، وليس فعلاً، فوجب أن يؤخذ في الحدّ "كلمةٌ" حتى يندفع هذا الإشكال.

وأمّا "خصائصه" فجمعُ "خصيصة"، وهي لوازمه المختصّة به دون غيره، فهي لذلك من علاماته. والفرقُ بين العلامة والحدّ أن العلامة تكون بالأُمور اللازمة، والحدّ بالذاتيّة. والفرق بين الذاتيّ واللازم أن الذاتيّ لا تُفْهَم حقيقةُ الشيء بدونه، ولو قدّرنا انعدامَه في الذهْن، بطلت حقيقةُ ذلك الشىِء، وليس اللازم كذلك، ألا ترى أنّا لو قدّرنا انتفاء الحدث أو الزمان، لبطلت حقيقةُ الفعل؟ وليس كذلك العلامات من نحو"قد" والسين، وسوف، فإنّ عدم صحّة جواز دخول هذه الأشياء عليها لا يقدح في فِعْليّتها، ألا ترى أن فعل الأمر والنهي لا يحسن دخول شيء ممّا ذكرنا عليهما، وهما مع ذلك أفعالٌ؟

فمن خصائص الفعل صحّةُ دخول "قَدْ" عليه، نحوِ: "قد قام"، و"قد قعد"، و"قد يقوم"، و"قد يقعد"، وحرفَي الاستقبال، وهما السين وسَوْفَ، نحوُ: "سيقوم"، و"سوف يقوم". وإنمّا اختصّت هذه الأشياء بالأفعال؛ لأن معانيها في الأفعال، فـ"قَدْ" لتقريب الماضي من الحال، والسين وسوف لتخليص الفعل للمستقبل بعينه، فهي في الأفعال بمنزلة الألف واللام في الأسماء، وكذلك حروف الجزاء، نحوُ: "إن تقم أقم"؛ لأن معنى تعليق الشيء على شرط إنّما هو وقوفُ دخوله في الوجود، على دخول غيره في الوجود، والأسماءُ ثابتة موجودة، فلا يصحّ هذا المعنى فيها؛ لأنها موجودة، ولذلك لا يكون الشرط إلَّا بالمستقبل من الأفعال، ولا يكون بالماضي، ولا الحاضر؛ لأنهما موجودان.

وقوله: "ولحوق المتّصل البارز من الضمائر" إنّما قيّد بالبارز تحرُّزًا من الصفات، نحو: "ضارب"، و"مضروب"، و"حَسَنٍ"، و"شديد"، فإنّ هذه الأسماء تتحمّل الضمائر كتحمّل الأفعال، إلَّا أن الضمير لا تبرز له صورةٌ كما يكون في الأفعال، نحوِ: "ضربتُ"، فالتاء فاعلةٌ، وهو ضمير المتكلّم، و"يَفْعَلْنَ" ضمير جماعة المؤنّث، و"افْعَلِي" ضمير المؤنّثة المخاطَبة، وهو بارز غير مستتر، كما يكون في "ضارب" من قولك: "زيدٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>