للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا "حتى"، فإذا نصبت الفعل بعدها؛ فهي فيه حرف جرّ على ما ذكرنا، فإذا قلت: "سرت حتى أدخلَها"، فالفعل منتصب بـ"أنْ" مضمرة، و"أنْ" والفعل في تأويل مصدر، والمصدرُ في محل مخفوض بـ "حتى"، و"حتى" وما بعدها من المصدر في موضع نصب بالفعل، كما أن الجار والمجرور كذلك في قولك: "مررت يزيد"، و"نزلت على عمرو". ولها في النصب معنيان:

أحدهما: أن تكون غاية بمعنَى "إلى أن"، والمراد بالغاية أن يكون ما قبلها من الفعل متصلًا بها حتى يقع الفعل الذي بعدها في منتهاه، كقولك: "سرت حتى أدخلَها"، فيكون السير والدخول جميعًا، قد وقعا، كأنك قلت: "سرت إلى دخولها"، فالدخولُ غاية لسيرك، والسير هو الذي يؤدّي إلى الدخول، ومنه قوله تعالى: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} (١) بالنصب، أي: زلزلوا إلى أن قال الرسول.

والثاني: أن تكون بمعنى "كَيْ"، فيكون الفعل الأوّل في زمان، والثاني في زمان آخر غيرَ متصل بالأوّل، وذلك نحو قولك: "كلّمتُه حتى يأمرَ لي بشيء"، والمراد: كلمته كي يأمر لي بشيء، وكذلك "أسلمتُ حتى أدخلَ الجنّة". ولـ"حَتَّى" مواضع أخر قد ذُكر بعضها في العطف، وسيذكر الباقي في موضعه، إن شاء الله تعالى.

وأمّا اللام، فهي من حروف الجرّ، ومعناها الغرض، وأن ما قبلها من الفعل علّةٌ لوجود الفعل بعدها، كما كانت "كي" كذلك، وقد تقدّم الكلام عليها.

وأمّا حروف العطف، فـ"أوْ"، و"الواو"، و"الفاء"، فهذه الحروف أيضًا ينتصب الفعل بعدها بإضمار "أنْ"، وليست هي الناصبة عند سيبويه (٢)، وذلك من قبل أنها حروف عطف، وحروف العطف تدخل على الأسماء والأفعال. وكلُّ حرف يدخل على الأسماء والأفعال لا يعمل في أحدهما، فلذلك وجب أن يقدّر "أنْ" بعدها ليصحّ نصب الفعل، إذ كانت هذه الحروف ممّا لا يجوز أن يعمل في الأفعال. وذهب الجرميّ إلى أنها هي الناصبة بأنفسها، وذهب الفرّاء من الكوفيين إلى أن النصب في هذه الأفعال لا بهذه الحروف بل هي منتصبة على الخلاف, لأنها عطفت ما بعدها على غيرِ شَكْله، وذلك أنه لمّا قال: "لا تَظْلِمْني فتَنْدَمَ"، دخل النهي على الظلم، ولم يدخل على الندم. فحين عطفت فعلاً على فعل لا يشاكله في معناه، ولا يدخل عليه حرف النهي كما دخل على الذي قبله، استحقّ النصبَ بالخلاف، كما استحق ذلك الاسمُ المعطوفُ على ما لا يشاكله في قولهم: "لو تُرِكْتَ والأسدَ لأكَلَك". قال: وذلك من قبل أن الأفعال فروع للأسماء، فإذا كان الخلاف في الأصل ناصبًا، وجب أن يكون في الفرع كذلك. والخلاف الموجب للنصب في الأسماء عندهم في


(١) البقرة: ٢١٤.
(٢) الكتاب ٣/ ٣٠، ٤١، ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>