للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشياء، منها نصبُ الظروف بعد الأسماء، نحوُ: "زيدٌ عندَك"، و"زيدٌ خلفَك". لمّا خالفتْ هذه الظروفُ ما قبلها، نُصِبَتْ على الخلاف.

والمذهبُ الأول؛ فأما قول الجرميّ إنها هي الناصبة، فقد أبطله المبرّد بأنّها لو كانت ناصبة بأنفسها؛ لكانت كـ "أن"، وكان يجوز أن تدخل عليها حروف العطف كما تدخل على "أنْ"، فكان يلزم أن يجوز عنده أن يُقال: "ما أنت بصاحبي فأُحدِّثَك، وفأُكرِمَك" لأنّ الفاء هي الناصبة، وكان يجوز أن يُقال: "لا تأكلِ السَّمَكَ وتشربَ اللبنَ" لأنّ الواو هي الناصبة، ألا ترى أن الواو في القَسَم، لما كانت هي العاملة للخفض مكان الباء، ساغ دخول حرف العطف عليها، وجاز أن يُقال: "والله ووالله". ولمّا كانت واوُ "رُبَّ" أصلها العطفُ، لم يجز دخول حرف العطف عليها، فلا يقال في مثلِ [من الرجز]:

وبَلْدَةٍ ليس لها أنِيسُ (١)

"ووبلدة". كذلك ها هنا، لو كانت هذه الحروف هي الناصبة أنفسها؛ لجاز دخول حرف العطف عليها، كما جاز دخوله على واو القسم. ولمّا امتنع منها ذلك، دلّ على أن أصلها العطف كواو "رُبَّ". وبذلك احتجّ سيبويه في دفع هذه المقالة.

فأمَّا "أوْ" فأصلها العطف حيث كانت، وتستعمل في النصب على وجهين:

أحدهما: أن يتقدّم فعل منصوبٌ بناصبٍ من الحروف، ثمّ يعطف عليه بـ"أوْ"، كما يعطف بسائر الحروف، وذلك نحوُ: "مدحتُ الأميرَ كي يَهَبَ لي دينارًا، أو يحملَني على دابّةٍ"، ومعناها أحد الشيئين. وهذا الوجه يقع فيه المرفوع والمجزوم إذا تقدّم مرفوع أو مجزوم، وليس بحَتم أن يقع فيه منصوب، فتقول في المرفوع: "أنا أكرمُك، أو أخرجُ"، وتقول في المجزوم "لِيَخْرُجْ زيد إلى البصرة أو يُقِمْ في مكانه". والوجهُ الآخر ما نحن بصدده، وهو أن يُخالِف ما بعدها ما قبلها، ويكون معناها "إلَّا أنْ". والفرق بين هذا الوجه والأول أن الأول لا تعلُّقَ فيه بين ما قبل "أوْ" وبين ما بعدها، وإنما هي لأحد الأمرَين، وليس بينهما ملابسة، إنما هو إخبارٌ بوجود أحدهما، ألا ترى أنه لا ملابسة بين قوله {تُقَاتِلُونَهُمْ} (٢) وبين {يُسْلِمُونَ} (٣)، فهو كعطف الاسم على الاسم بـ"أوْ"، نحوِ قولك: "جاءَني زيدٌ أو عمرٌو".

والوجه الثاني: أَنْ يكون الفعل الأول كالعامّ في كلِّ زمان، والثاني كالمُخْرِج له عن عمومه، ألا ترى أنك إذا قلت: "لألْزَمَنَّك" أن ذلك عامّ في كلّ الأزمنة، فإذا قلت: "أو


(١) تقدم بالرقم ٣٠٠.
(٢) الفتح: ١٦ {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ}.
(٣) الفتح:١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>