تقضيَني حَقي"؛ فقد أخرجت بعض الأزمنة المستقبلة من ذلك، وجعلته ممتدا في جميع الأوقات سوى وقت القضاء، ففي الأوّل كان مطلقًا، وبالثاني صار مقيَّدًا، وهو في الوجه الأوّل عطف ظاهر، وفي الثاني عطف متأوَّل, لأنك في الأوّل تعطف ما بعدها على ما قبلها، وتُشرِكه في إعرابه وظاهرِ معناه.
والنصبُ بعد "أوْ" هذه ليس بإضمارِ "أنْ"، إنما هو بالناصب الذي نصب ما قبلها، ثمّ عُطف عليه بحرف العطف المُشرِك بينهما في العامل، وأمّا العطف المتأوَّل فنحو: "لألزمنّك، أو تُعْطِيَنِي حقّي"، فهذا لا يريد فيه العطف الظاهر, لأنه لم يُرِد إيجاب أحدهما، إنما يريد إيجاب اللزوم ممتدًّا إلى وقت الإعطاء، فلمّا لم يرد فيه العطف الظاهر، تأوَّلوه بـ"أن"، وتَوهموا المصدرَ في الأوّل؛ لأنّ الفعل يدلّ على المصدر، ونصبوا الثاني بإضمارِ "أنْ", لأن "أنْ" والفعل مصدرٌ، وصارت "أوْ" قد عطفت مصدرا في التأويل على مصدر في التأويل، ولذلك لا يجوز إظهار "أنْ"، لئلا يصير المصدر ملفوظًا به، فيؤدّي إلى عطف اسم على فعل، وذلك لا يجوز.
ومما يؤكّد عندك الفرق بينهما أنك إذا قلت: "ستُكلِّم زيدًا، أو يَقْضِيَ حاجتَك"، فتنصب "يقضي" على معنى: "إلَّا أنْ يقضي"، فقد جعلت قضاء حاجتك سببًا لكلامه. وإذا عطفت، فإنّما تُخبِر بأنه سيقع أحد الأمرين من غير أن يدخله هذا المعنى، ويوضِح ذلك لك أن الفعلين اللذَيْن في العطف نظيران، أيهما شئت قدّمته فيصحّ به المعنى، فتقول: "سيقضي حاجتَك زيدٌ أو تكلّمه"، إذا عطفت، فأيّهما قدّمت كان المعنى واحدًا، وإذا نصبت اختلف المعنى، فدل على السبب كما بيّنت لك، ولا يصحّ على هذا "سيقضي حاجتك زيدٌ أو تكلِّمَه"، إلَّا أن تريد أن تجعل الكلام سببًا لإبطال قضاء حاجته، فيجوز حينئذ كأنّه يكره كلامَه، فهو يقضي حاجته إن سكت، وإن كلّمه، لم يقضها.
فإن قيل: وأيُّ مناسبة بين "أوْ" و"إلَّا أنْ" حتى كانت في معناها؟ قيل: بينهما مناسبة ظاهرة، وهو العدول عن ما أوجبه اللفظ الأوَّل، وذلك أنّا إذا قلنا: "جاءني القومُ إلَّا زيدًا"، فاللفظ الأول قد أوجب دخول "زيد" فيما دخل فيه القوم؛ لأنه منهم، فإذا قلت: "إلَّا"، فقد أبطلت ما أوجبه الأوّل، وإذا قلت: "جاءني زيد أو عمرو"، فقد أوجبت المجيء لزيد في اللفظ قبل دخول "أوْ". فلمّا دخلت، بطل ذلك الوجوبُ، ولأجل هذه المخالفة احتيج إلى تقدير الفعل الأوّل مصدرًا، وعطفِ الثاني عليه على التقدير الذي مضى. ومن النحويين من يقدّر "أوْ" هذه بـ"إلَى"، ويجعل ما بعد "أوْ" غايةً لما قبلها، وإيّاه اختار صاحب هذا الكتاب. والوجه الأوّل، وهو اختيار سيبويه (١) , لأنّ قوله: "لألزمنّك" يقتضي التأبيد في جميع الأوقات، فوجب أن يُستثنى الوقت الذي يقع