للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنه عن خلق، ولا تأتِ مثلَه. ولو كان قال ذلك، لكان قد نهاه أن ينهى عن شيء، ونهاه أن يأتي شيئًا من الأشياء، وهو محال. فلمّا استحال، حَمَلَ الثاني على الأول، كأئَّه تَخيّل مصدرَ الأوّل إذ كان الفعل دالاً عليه مع موافَقة المعنى المرادِ، فصار كأنّه قال: "لا يكن منك نَهيٌ"، ثمّ أضمر "أنْ" مع الثاني، فصار مصدرًا في الحكم، ثمّ عطف مصدرًا متأوَّلاً على مصدر متأوّل، ولذلك لا يجوز إظهارُ "أنْ" فيه، لئلّا يصير المصدر مصرَّحًا به، ثم تعطفه، فتكون قد عطفت اسمًا صريحًا على فعل صريح. فلو كان الأول مصدرًا صريحًا، لجاز لك أن تُظْهِر "أنْ" في الثاني، نحوَ قوله [من الوافر]:

٩٦٨ - لَلُبْسُ عَباءَةٍ وتَقِرَّ عَيْنِي ... أحَبُّ إليّ من لُبْسِ الشُفُوفِ

ولو قال: "وأن تقرّ عيني"، لجاز؛ لأنّ الأول مصدرٌ، فـ "لبس عباءة" مبتدأٌ، و"تقرّ عيني" في موضع رفع بالعطف عليه، "وأحبّ إليّ" الخبرُ عنهما. والمعنى أن لبس الخَشِن من الثياب مع قُرّة العين أحبّ إليّ من لبس الشفوف، وهو الرقيق من الملبوس، فالتفضيلُ لهما مجتمعين على لبس الشفوف، ولو انفرد أحدهما، بطل المعنى الذي أراده، إذ لم يكن مراده أن لبس عباءة أحبّ إليه من لبس الشفوف، فلمّا كان المعنى يعود إلى ضمِّ "تقرّ عيني" إلى "لبس عباءة"، اضطُرّ إلى إضمارِ "أنْ" والنصب. وقد حُكي عن الأصمعي أنه قال: لم أسمعه إلَّا "وتأتي مثلَه" بإسكان الياء يجعَله مرفوعًا على


٩٦٨ - التخريج: البيت لميسون بنت بحدل في خزانة الأدب ٨/ ٥٠٣، ٥٠٤؛ والدرر ٤/ ٩٠؛ وسرّ صناعة الإعراب ١/ ٢٧٣؛ وشرح التصريح ٢/ ٢٤٤؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٥٠؛ وشرح شواهد المغني ٢/ ٦٥٣؛ ولسان العرب ١٣/ ٤٠٨ (مسن)؛ والمحتسب ١/ ٣٢٦؛ ومغني اللبيب ١/ ٢٦٧؛ والمقاصد النحوية ٤/ ٣٩٧؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٤/ ٢٧٧؛ وأوضح المسالك ٤/ ١٩٢؛ والجنى الداني ص ١٥٧؛ وخزانة الأدب ٨/ ٥٢٣؛ والرد على النحاة ص ١٢٨؛ ورصف المباني ص ٤٢٣؛ وشرح الأشموني ٣/ ٥٧١؛ وشرح ابن عقيل ص ٥٧٦؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٣٤٤؛ وشرح قطر الندى ص ٦٥؛ والصاحبي في فقه اللغة ص ١١٢، ١١٨؛ والكتاب ٣/ ٤٥؛ والمقتضب ٢/ ٢٧.
اللغة: العباءة: الرداء الواسع. تقرّ عيني: تطمئن، أو يرتاح بالي. الشفوف: الثوب الرقيق الناعم.
المعنى: إنّ لبس العباءة مع راحة البال أحبّ إليها من لبس الثياب الناعمة التي تلبسها المتحضّرات.
الإعراب: "للبس": اللام: لام الابتداء، "لبس": مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. "عباءة": مضاف إليه مجرور. "وتقرّ": الواو: حرف عطف، "تقر": فعل مضارع منصوب بـ"أن" مضمرة، والمصدر المؤوّل من "أن تقرّ" معطوف على "لبس" في محل رفع."عيني": فاعل مرفوع بالضمة المقدّرة على ما قبل الياء، وهو مضاف، والياء: ضمير في محل جرّ بالإضافة. "أحب": خبر المبتدأ مرفوع. "إليّ": جار ومجرور متعلّقان بـ"أحب"، "من لبس": جار ومجرور متعلّقان بـ"أحبّ"، وهو مضاف. "الشفوف": مضاف إليه مجرور.
وجملة "لبس عباءة ... ": ابتدائية لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: "وتقرّ" حيث نُصب الفعل المضارع بـ "أن" مضمرة بعد الواو التي بمعنى "مع".

<<  <  ج: ص:  >  >>