للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاجتمع معك ثلاثةُ مفاعيل، نحو قولك: "أعلمت زيدًا عمرًا قائمًا"، و"أريتُ بكرًا محمّدًا ذا مال"، فالمفعولُ الأول هنا كان فاعلاً قبل النقل، وذلك أنك إذا قلت: "علم زيد عمرًا قائمًا"، جاز أن يكون ذلك العلم بمُعْلِمٍ، فإذا ذكرته، صار هو الفاعل من حيث كان مُعْلِمًا، و"زيدٌ"، الذي كان فاعلًا عالمًا مفعولٌ من حيث كان مُعْلَمًا. وهذا النقلُ مقصور على هذَيْن الفعلين دون أخواتهما، وهو المسموع من العرب، فبعضُهم يقف عند المسموع ولا يتجاوزه إلى غيره.

وكان أبو الحسن الأخفش يَقيس عليهما سائرَ أخواتهما، فيُجِيز: "أظَن زيدٌ عمرًا أخاك قائمًا"، و"أزعم بكرٌ محمدًا جعفرًا منطلقًا". والمذهبُ الأول لقلّة ذلك.

وأما الضرب الثاني: فما كان في معنى العلم، وهي خمسة أفعال: "أخْبَرَ"، و"أنْبأ"، و"خبرَ"، و"نبأ"، و"حَدّثَ"، فهذه الأفعال الخمسة معناها الإخبار والحديث، والإخبارُ إعلامٌ. فلما كانت في معنى الإعلام، تَعدت إلى ثلاثة مفاعيل كما يتعدّي "أعلم"، فتقول: "أخبرتُ زيدًا عمرًا ذا مال"، و"أنبأت محمدًا جعفرًا مقيمًا" و"نبأتُ أباك أخاك منطلقًا"، و"أخبرت زيدًا الأميرَ كريمًا"، و"حدثت محمّدًا أخاه عالمًا"؛ فأما قول الحارِث بن حِلزَةَ اليَشْكري [من الخفيف]:

إنْ مَنَعْتُمْ ما تُسْالُونَ فَمَنْ حُدِثْتُموه ... له علينا العَلاءُ

فأنشده شاهدًا على صحة الاستعمال، وأنه متعد إلى ثلاثة مفعولِين: فالتاء والميم المفعول الأول، وقد أقيم مُقام الفاعل، والهاء المفعول الثاني، و"له علينا العلاءُ" جملةٌ في موضع المفعول الثالث. والمعنى: إن منعتم ما تسألون من الإنصاف، فمَن حُدثتم عنه أنه قهرنا؟

وحقيقةُ تعدي هذه الأفعال بتقدير حرف الجرّ، فإذا قلت: "أنبأت زيدًا خالدًا مقيمًا"، فالتقدير: عن خالد؛ لأنّ "أنبأت" في معنَى "أخبرت"، والخبر يقتضي "عَن" في المعنى، فهو بمنزلةِ "أمرتُك الخيرَ"، والمراد: بالخير؛ لأنّ الفعل في كل واحد منهما لا يتعدّي إلّا بحرف جرّ. فإذا ظهر حرفُ الجرّ، كان الأصلَ، وإذا لم يذكر، كان على تقدير وجوده واللفظِ به؛ لأنّ المعنى عليه، واللفظ مُحْوجٌ إليه، وليس ذلك كالباء، ولا كـ"مِنْ" في قولك: "ليس زيد بقائم"، و"ما جاءني من أحد"؛ لأنّ اللفظ مستغنٍ عنهما، فأدخلوهما زائدتَين لضرب من التأكيد. فإذا لم يذكرا، لم يكونا في نية الثبوت، وليس كذلك "عَنْ" في قولك: "أخبرت زيدًا عن عمرو" لأنّ حرف الجرّ هنا دخل, لأنّ اللفظ مُحْوِجٌ إليه، فإذا حذفته، كان في تقدير الثبوت، إذ لا يصح اللفظ إلّا به، مع أن "عَنْ" لم ترد قط إلّا بمعنَى يحوِج الكلام إليه. فإذا وجدناها في شيء، ثم فقدناها منه، علمنا أنها مقدّرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>