للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشارح: أمّا ما في أوّله منها حرفُ نفي، نحوُ: "ما زال"، و"ما بَرِحَ"، و"ما انفكُّ"، و"ما فَتِىءَ"، فهي أيضًا كأخواتها تدخل على المبتدا والخبر، فترفع المبتدأ، وتنصب الخبرَ، كما أنّ "كانَ" كذلك، فيقال: "ما زال زيدٌ يفعل". قال الله تعالى: {فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ} (١). وكذلك أخواتها. ومعناها على الإيجاب، وإن كان في أوّلها حرفُ النفي. وذلك أن هذه الأفعال معناها النفي، فـ "زال"، و"برح"، و"انفكّ"، و"فتىء" كلُها معناها خلاف الثبات. ألا ترى أن معنَى "زال": "برح"؟ فإذا دخل حرفُ النفي، نُفي البَراح، فعاد إلى الثبات وخلافِ الزَّوال. فإذا قلت: "ما زال زيدٌ قائمًا"، فهو كلامٌ معناه الإثبات، أي: هو قائمٌ، وقيامُه استمرّ فيما مضى من الزمان، فهو كلامٌ معناه الإثبات، ولهذا المعني لم تدخل إلّا على الخبر، فلا يجوز: "لم يزل زيد إلّا قائمًا"، كما لم يجز: "ثبت زيدٌ إلّا قائمًا"؛ لأنّ معنَى "ما زال": ثبت. فأما قول ذي الرُّمّة [من الطويل]:

حَراجِيجُ مَا تَنْفَكُّ إلا مُناخةً ... على الخَسْفِ أو نَرْمِي بها بَلَدًا قَفرَا

فإن الأصمعي والجَرْمي قالا: أخطأ ذو الرُّمّة، ووجهُ تَخطِئته أن يكون "مناخة" الخبر، وتكون "إلّا" داخلةً عليه، وذلك خطأٌ على ما تقدّم. قال المازنيّ: "إلّا" فيه زائدة، والمراد: ما تنفكّ مناخة. وقيل: الخبر: "عَلَى الخسف"، و"مناخةً" حالٌ. والمراد: ما تنفكّ على الخسف إلّا مناخةً، فما تكون "إلّا" قد دخلت على الخبر. وقيل:


= اللغة: حراجيج: جمع حرجوج، وهي الناقة السمينة الطويلة. مناخة: باركة على الأرض. الخسف: الجوع. القفر: الخالي.
المعنى: هذه النوق السِّمان إمّا باركة على الجوع، وإمّا مجتازة بلادًا خالية من أثر الحياة، يعني أنها لا تخلو من أحد هذين الأمرين.
الإعراب: "حراجيج": خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هي، مرفوع بالضمة. "ما تنفك": "ما": نافية، و"تنفك": فعل مضارع ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هي، يعود على "حراجيج". "إلا": حرف زائد لا يدلّ على معنى. "مناخة": خبر "ما تنفك" منصوب بالفتحة. "على الخسف": جارّ ومجرور متعلّقان بـ"مناخة"."أو": حرف عطف. "نرمي": فعل مضارع منصوب بـ"أن" المضمرة بعد "أو"، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: نحن. والمصدر المؤول من "أن" المضمرة وما بعدها معطوف على مصدر منتزع من الكلام السابق، والتقدير: بقاؤها على الخسف أو رمينا بها ... "بها": جارّ ومجرور متعلّقان بـ "نرمي". "بلدًا": مفعول به منصوب بالفتحة. "قفرًا": صفة منصوبة بالفتحة.
وجملة "هي حراجيج": ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "ما تنفك": في محلّ رفع صفة لـ "حراجيج".
والشاهد فيه قوله: "ما تنفكّ إلا مناخة" حيث دخلت "إلا" على خبر "ما تنفك" وهذا غير جائز. وفي تخريج الشاهد آراء عدة أورد بعضها الرضي في شرح الكافية، بالإضافة إلى الرأي الذي جعلناها فيه زائدة.
(١) غافر: ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>