للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقوله: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} (١). ولو كان (٢) للعهد، لم يجز وقوعُه فاعلاً لِـ"نعم"، أو "بئس"، لو قلت: "نعم الرجلُ الذي كان عندنا"، أو "نعم الذي في الدار"، لم يجز.

وقول صاحب الكتاب: "وفاعلهما إمّا مظهر معرّف باللام أو مضاف إلى المعرّف به"، يريد تعريف الجنس لا غير؛ وأمّا إطلاقُه فليس بالجيّد.

فإن قيل: ولِمَ لا يكون الفاعل إذا كان ظاهرًا إلّا جنسًا؟ قيل: لوجهَيْن:

أحدهما: ما يحكى عن الزجّاج أنّهما لمّا وُضعا للمدح العامّ والذمّ الْعامّ؛ جُعل فاعلُهما عامًّا ليُطابِق معناهما، إذ لو جُعل خاصًّا، لكان نقضًا للغرض؛ لأنّ الفعل إذا أسند إلى عامّ، عَمّ، وإذا أسند إلى خاصّ، خَصّ. وقد تقدّم نحو ذلك في الخطبة.

الوجه الثاني: أنهم جعلوه جنسًا ليدلّ أن الممدوح والمذموم مستحِق للمدح، والذمّ في ذلك الجنس، فإذا قلت: "نعم الرجلُ زيدٌ"، أعلمت أن زيدًا الممدوح في الرجال من أجل الرُّجُوليّة، وكذلك حكم الذمّ. وإذا قلت: "نعم الظريفُ زيدُ"، دللت بذكر "الظريف" أنّ زيدًا ممدوحٌ في الظراف من أجل الطَّرْف. ولو قلت: "نعم زيدٌ". لم يكن في اللفظ ما يدلّ على المعنى الذي استحقّ به زيدٌ المدحَ؛ لأنّ لفظ "نعم" لا يختصّ بنوع من المدح دون نوع، ولفظُ "زيد" أيضًا لا يدلّ إذ كان اسمًا عَلَمًا وُضع للتفْرِقة بينه وبين غيره، فأسند إلى اسم الجنس ليدلّ أنه ممدوح، أو مذموم في نوع من الأنواع.

والمضافُ إلى ما فيه الألف واللام بمنزلةِ ما فيه الألف واللام، يعمل "نعم" و"بئس" فيه كما يعمل في الأوّل، وإنما ذكرنا اسم الجنس، على عادة النحويين إذ كانوا لا يفرقون بين الجنس والنوع؛ لأنهم يقصدون بهما الاحتواء على الأشخاص، وهما في هذا الحكم واحد.

الثاني: وهو ما كان فاعله مضمرًا قبل الذكر، فيفسّر بنكرة منصوبة، نحوُ قولك: "نعم رجلًا زيدٌ"، و"بئس غلامًا عمرٌو"، ففي كلّ واحد من "نعم"، و"بئس" فاعلٌ أُضْمر قبل أن يتقدّمه ظاهرٌ، فلزم تفسيرُه بالنكرة؛ ليكون هذا التفسير في تبيِينه بمنزلة تقدم الذكر له. والأصلُ في كلّ مضمر أن يكون بعد الذكر، والمضمرُ ها هنا الرجل في "نعم رجلًا"، و"الغلامُ" في "بئس غلامًا" استُغني عنه بالنكرة المنصوبة التي فسّرتْه؛ لأنّ كل مبهم من الأعداد إنّما يفسّر بالنكرة المنصوبة. ونصبُ النكرة هنا على التمييز، وقيل: على التشبيه بالمفعول؛ لأنّ الفعل فيه ضميرُ فاعل، وإنّما خصّوا بهذا أبوابًا معيّنةً.

فإن قيل: فلِمَ خُصَّت "نعم"، و"بئس"، بهذا الإضمار فيهما؟ قيل: لأنّ المضمر قبل الذكر على شريطة التفسير فيه شِبْةٌ من النكرة، إذ كان لا يُفْهَم إلى من يرجع حتى


(١) العصر:٣.
(٢) في الطبعتين: "كانا"، وهذا تحريف. وقد صوّبته طبعة ليبزغ في ذيل التصحيحات ص ١٤٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>