للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشاهد فيه صرفُ "دَعْدٍ" وتركُ صرفها. و"التلفُّع": التقنُّعُ، والتَّرَدَّي. و"العُلَبُ": جمعُ "عُلْبةٍ" كـ "ظُلْمَةٍ" و"ظُلَمٍ". وهو إِناءٌ من جِلْد يشرب به الأعرابُ. يصفها بأنّها حَضَريَةٌ (١)، رقيقةُ العيش، لا تلبسَ ما يلبسه العربُ، ولا تشرب مما يشربون. ومثله قول الآخر [من الطويل]:

ألَا حَبَّذَا هِنْدٌ وأَرْضٌ بها هِنْدُ ... وهندٌ أَتَى مِن دُونِها النَّأْيُ والبُعْدُ (٢)

فصرف "هندًا" في موضعين من البيت. وليس ذلك من قبيل الضرورة؛ لأنه لو لم يصرف، لم ينكسر وزنُ البيت. والقياسُ الصرف؛ لأنّ مُراعاةَ اللفظ فيما لا ينصرف هو البابُ. ألا ترى أنهم قالوا: "ذَلَذِلًا"، و"جَنَدِلًا" فصرفوه، وإن كان المراد "ذَلاذِلَ"، و"جَنادِلَ" غير مصروفَيْن، لأنّهما بزنة "مَساجِدَ"، لكنّهم حذفوا الألف منهما تخفيفًا؛ وما حذف للتخفيف، كان في حكم المنطوق به؛ ويؤيّد وُضوحًا أن الألف مرادةٌ، أنّه قد اجتمع فيها أربعُ متحركاتٍ متوالياتٍ في كلمة، مع كون الألف مرادةّ، فهو مصروفٌ لمراعاة اللفظ.

وكان الزجّاج لا يرى صرفَ نحو: "هندٍ"، و"دعدٍ"، و"جُمْلٍ"، ولا صرفَ شيء من المؤنّث يسمّى باسم على ثلاثة أحرف أوْسطُها ساكنٌ.

فأمّا الاسم الأعجمي الثلاثيّ الساكنُ الوسطِ فمصروفٌ ألبتّة، نحوَ: "لُوطٍ"، و"نُوحٍ". قال الله تعالى: {امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا} (٣).

واعلم أنّ اعتمادهم في نحو: "هند"، و"دعد"، وما كان مثلهما الصرف ومَنْعَه؛ واعتمادَهم في نحو: "نوح"، و"لوط" الصرفَ ألبتّة، مع تَساويهما في الخفّة، لسكونِ أوسطهما، دليلٌ على أن حكمَ التأنيث أقوى في منعِ الصرف من العُجْمة. وصاحبُ الكتاب لم يفرق بين "هند", و"جمل"وبين "لوط", و"نوح", وجعل حكم"نوح", و"لوط" في الصرف ومنعهِ كـ "هند","دعد"؛ وهو القياسُ ,إلاَ أن المسموع ما ذكرنا.

* * *

قال صاحب الكتاب: "وأما ما فيه سببٌ زائدٌ, كـ "ماه" (٤) , و"جور" (٥) , فإن فيهما ما في "نوحٍ" مع زيادة التأنيث, فلا مقال في امتناع صرفه"

قال الشارح: أمّا "مَاهُ"، و"جُورُ" إذا سُمّي بهما امرأتان، فلا كلامَ في منعِ


(١) في الطبعتين: "حضيرة"، تحريف. والتصحيح عن جدول التصحيحات المرفق بطبعة ليبزغ ص ٩٠٤.
(٢) تقدم بالرقم ١٤.
(٣) التحريم: ١٠.
(٤) ماه: اسم بلدة بأرض فارس. (معجم البلدان ٥/ ٤٩).
(٥) جُور: مدينة بفارس بينها وبين شيراز عثمرون فرسخًا. (معجم البلدان ٢/ ١٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>