للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كذلك المفتوحة, لأنها وإن كانت تدخل على المبتدأ، إلَّا أنها تُحِيل معنى الجملة إلى الإفراد، وتكون مبنيّة على ما قبلها. فلو أُلغيث، لَوقع بعدها الجملة، وليس ذلك من مواضع الجُمَل.

ثمّ نعود إلى تفسير هذا الفصل من كلّامه حرفًا حرفًا، وإن كنّا قد بيّنّا قوله: "وتخفّفان فيبطل عملهما"، يريد: ظاهرًا، إلَّا أن المفتوحة لا يبطل عليه جملةُ عملها بالكلّيّة، فهذا أُلغي عملها في الظاهر؛ كانت مُعْمَلةً في الحكم والتقديرِ لِما ذكرناه من الفرق بين المكسورة والمفتوحة.

قوله: "ومن العرب من يُعْمِلها"، يريد: في الظاهر، نحوَ قوله [من الطويل]:

فلو أنك في يوم الرخاء ... إلخ

إنّما ذلك في "إنَّ" المكسورة على ما ذكرنا، على أن الكوفيين قد ذهبوا إلى أنه لا يجوز إعمال "إن" الخفيفة النصبَ في الاسم بعدها، واحتجّوا بأنّه قد زالت المشابهةُ بينها وبين الفعل بنقص لفظها. وما ذكرناه من النصوص يشهد عليهم.

وقوله: "وتلزم المكسورةَ اللامُ في خبرها"، قد ذكرنا أن هذه اللام هي لام التأكيد التي تأتي في خبر المشدّدة، وليست لامًا غيرها أُتي بها للفصل. يدّل على ذلك دخولها مع الإعمال في "إنَّ زيدًا لقائمٌ"، ولو كانت غير مؤكّدة؛ لم تدخل إلَّا عند الحاجة إليها، وهو الفصلُ، ندخول اللام كان للتأكيد. وأمّا لزومها الخبرَ، فكان للفصل، فاعرفه.

قوله: "والمفتوحة يُعوَّض عمّا ذهب منها أحد الأحرف الأربعة: حرفِ النفي، وقَدْ، وسَوْفَ، والسين"، فإنّه أطلق اللفظ، وفيه تفصيلٌ. وذلك أنه لا يخلو بعد التخفيف من أن يليها اسمٌ أو فعل. فإن وليها اسمٌ؛ لم تحتج إلى العوض, لأنها جاءت على مقتضى القياس فيها، وذلك نحو قوله [من البسيط]:

في فتية كسيوف الهند ... إلخ

والمراد أنْه هالك، فالهاء مضمرة مرادة، و"هالكٌ" مرفوعٌ لأنه خبر مقدّم، والتقدير: كلّ من يحفى وينتعل هالكٌ. ومن ذلك قوله تعالى: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا} (١) {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ} (٢) فيمن قرأ بتخفيف النون والرفعِ. والمراد: أنَّهُ


(١) النور: ٩. وهي قراءة الحسن ويعقوب والأعرج وغيرهم.
انظر: البحر المحيط ٦/ ٤٣٤؛ والنشر في القراءات العشر ٢/ ٣٣٠؛ ومعجم القراءات القرآنية ٤/ ٢٣٨.
(٢) النور: ٧. وهي قراءة الحسن والأعرج ويعقوب ونافع وغيرهم.
انظر: البحر المحيط ٦/ ٤٣٤؛ والكشاف ٢/ ٥٢؛ والنشر في القراءات العشر ٢/ ٣٣٠؛ ومعجم القراءات القرآنية ٤/ ٢٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>