للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَضَبُ الله عليها، ولا يجوز أن تكون "أنّ" بمعنَى "أيْ" كالّتي في قوله تعالى: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا} (١). قال سيبويه (٢): لأنّها لا تأتي إلَّا بعد كلام تامّ، وليس الخامسة وحدها بكلام تامّ، فتكونَ بمعنى "أيْ".

فأمّا إذا وليها فعلٌ؛ أُتي بالعوض، كأنّهم استقبحوا أن تلي "أنَّ" المخفّفةُ الفعلَ إذا حُذفت الهاء، وأنت تريدها، كأنّهم كرهوا أن يجمعوا على الحرف الحذفَ، وأن يليه ما لم يكن يليه، وهو مُثقَّلٌ، فأتوا بشيء يكون عوضًا من الاسم، نحوِ: "لا"، وقَدْ"، والسين، و"سَوْفَ نحوَ قولك: "قد عرفت أنْ لا يقومُ زيدٌ، وأنْ سيقومُ زيدٌ، وأنْ قد قام زيدٌ". ومنه قوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} (٣)، وقوله: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} (٤). فمنهم من يجعل هذه الأشياء عوضًا من الاسم، ومنهم من يجعلها عوضًا عن توهينها بالحذف، وإيلائها ما لم يكن يليها من الأفعال قبلُ.

والآيات التي أوردها شواهدُ على الأحكام التي ذكرها. فأمّا قوله تعالى في يس: {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} (٥) فـ "كلٌّ" رفع بالابتداء، لا أعلمُ في ذلك خلافًا؛ وأمّا التي في سورة هُود، فقد قُرىء {وَإِنْ كُلٌّ} (٦) بالرفع، {وَإِنَّ كُلًّا} بالنصب. وقد تقدّم الكلام عليها. وقد قرئ: "لَمَّا" بالتشديد (٧)، ويحتمل أن تكون "لمَّا" بمعنى "إلَّا" للاستثناء، نحوَ قولهم: "عزمتُ عليك لمّا ضربتَ كاتبَك يريد: إلَّا ضربتَ كاتبَك. و"إن"، نافية، والتقدير: وما كلّ إلَّا لَيُوَفُيَنَّهُمْ. ويجوز أن تكون "إنَّ" المخفّفة من الثقيلة، و"لَمَّا" بمعنى "إلَّا"، وهي زائدة؛ لأنّ "إلَّا" تُستعمل زائدةً، نحوَ قول الشاعر [من الطويل]:

١١١٤ - أرَى الدَّهْرَ إلَّا مَنْجَنُونًا بأهْلِه ... وما صاحبُ الحاجات إلَّا معذَّبَا


(١) ص:٦.
(٢) الكتاب ٣/ ١٦٣، وفيه: "لأنّ "أي" إنّما تجيء بعد كلام مستَغْنٍ".
(٣) المزمل: ٢٠.
(٤) طه: ٨٩.
(٥) يس: ٣٢.
(٦) هود: ١١١.
(٧) في النصّ المصحفي: {وإنَّ كُلآ لمّا}. وقرأ عاصم والحسن وشعبة: {وإنْ كلآ لمّا}.
انظر: البحر المحيط ٥/ ٢٦٦؛ وتفسير الطبري ١٢/ ٧٤؛ والنشر في القراءات العشر ٢/ ٢٩١؛ ومعجم القراءات القرآنية ٣/ ١٣٦، ١٣٧.
١١١٤ - التخريج: البيت لأحد بني سعد في شرح شواهد المغني ص ٢١٩؛ وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ٢٧١؛ والجنى الداني ص ٣٢٥؛ وخزانة الأدب ٤/ ١٣٠، ٩/ ٢٤٩، ٣٥٠؛ والدرر ٢/ ٩٨، ٣/ ١٧١؛ ورصف المباني ص ٣١١؛ وشرح الأشموني ١/ ١٢١؛ وشرح التصريح ١/ ١٩٧؛ ومغني اللبيب ص ٧٣؛ والمقاصد النحوية ٢/ ٩٢؛ وهمع الهوامع ١/ ١٢٣، ٢٣٠.
اللغة: المنجنون: الدولاب الذي يستقى عليه، وهو مؤنث. =

<<  <  ج: ص:  >  >>