للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى ذلك تأوّلوا قوله تعالى: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا} (١).

* * *

قال صاحب الكتاب: و "حتى" الواجب فيها أن يكون ما يعطف بها جزءًا من المعطوف عليه إما أفضله كقولك: "مات الناس حتى الأنبياء", أو أدونه, كقولك: "قدم الحاج حتى المشاة".

* * *

قال الشارح: اعلم أن "حَتى" قد تكون عاطفة تُدْخِل ما بعدها في حكمِ ما قبلها كالواو والفاء، وهو أحدُ أقسامها. ولها في العطف شرائطُ: أحدها أن يكون ما بعدها من جنسِ ما قبلها، وأن يكون جُزءًا له، وأن يكون فيه تحقيرٌ أو تعظيمٌ، وذلك نحوُ: "قدم الحاج حتى المشاةُ"، فهذا تحقير، و"مات الناس حتى الأنبياء"، وهذا تعظيم. ولذلك قال: إِما أفْضَلَهُ أو أدوَنَهُ. ولو قلت: "قدم الحاج حتى الحِمارُ"، لم يجز؛ لأنه ليس من جنس المعطوف عليه، وكذلك لو قلت: "قدم زيدُ حتى عمرو"، لم يجز؛ لأن الثاني، وإن كان من جنس الأول، فليس بعضًا له. وكذلك لو قلت: "رأيت القومَ حتى زيدًا"، وكان زيد غير معروف بحَقارة أو عِظَم، لم يجز أيضًا، وإن كان بعضًا له.

واعلمْ أن حَتى إنما يتحقق العطفُ بها في حالة النصب لا غير، نحوِ قولك: "رأيت القومَ حتى زيدًا"، فالاسمُ بعد "حتى" داخل في حكم ما قبلها، ولذلك تبِعه في الإعراب، فأمّا إذا قلت: "قدِم القوم حتى زيدٌ"، فإنّه لا يتحقق هاهنا العطفُ لاحتمالِ أن تكون حرف ابتداء، وهو أحد وجوهها، وما: عدها مبتدأٌ محذوفُ الخير. وكذلك إذا خفضت ربّما يُتوهم فيها الغايةُ، على نحو قوله: {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (٢)، ولذلك لم يُمثل الفارسي في العطف إلَّا بصورة النصب، فقال: نحوَ قولك: "ضربتُ القومَ حتى زيدًا"، ثم عضد ذلك بالنقل؛ لئلا يمنع المخالفُ هذه الصورةَ، فقال: وقد رواه سيبويه وأبو زيد وغيرهما، وكذلك رواه يونسُ.

وفي الجملة "حَتى" غيرُ راسخة القَدَم في باب العطف، ولا متمكنة فيه؛ لأن الغرض من العطف إدخال الثاني في حكم الأول، وإشراكه في إعرابه إذا كان المعطوف غير المعطوف عليه، فأما إذا كان الثاني جزءا من الأول؛ فهو داخل في حكمه؛ لأن


= محلّ نصب مفعول به. وجملة "أصبحت" الأولى: في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة "أصبحت" الثانية: لا محلّ لها من الإعراب (جواب شرط غير جازم).
والشاهد فيه قوله: "فثم" حيث جاءت "ثم" زائدة بعد الفاء.
(١) التوبة: ١١٨.
(٢) القدر: ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>