وعبدُ الله ذاهبٌ"، فلمّا لم يجب ذلك في كلّ خبر، عُلم أنه إنّما وجب تقديمُ خبرِ الفاعل لأمرٍ وراءَ كونه خبرًا، وهو كونه عاملًا فيه؛ ورتبةُ العامل أن يكون قبل المعمول؛ وكونُه عاملًا فيه سببٌ أوجب تقديمه، كما أن تضمُّن الخبر همزةَ الاستفهام في قولك: "أيْنَ زيدٌ؟ " ونظائره، سببٌ أوجب تقديمَه، فاعرفه.
وفي الجملة الفاعلُ في عُرْفِ أهلِ هذه الصَّنْعة أمر لفظيٌّ؛ يدل على ذلك تسميتُهم إيّاه فاعلاً في الصُّوَر المختلفة من النفي، والإيجاب، والمستقبَل، والاستفهام، ما دام مقدَّمًا عليه؛ وذلك نحو: "قَامَ زيدٌ"، و"سَيَقُومُ زيدٌ"، و"هَلْ يقوم زيد؟ " و"زيدٌ في جميع هذه الصُوَر فاعلٌ، من حيث إنّ الفعل مسنَدٌ إليه، ومقدَّمٌ عليه، سواءٌ فَعَل أو لم يفعل. ويؤيّد إعراضَهم عن المعنى عندك وُضوحًا أنّك لو قدّمت الفاعل، فقلت:"زيدٌ قام"، لم يبق عندك فاعلًا، وإنمّا يكون مبتدأ وخبرًا معرّضًا للعوامل اللفظية.
* * *
وقوله:"وحقه الرفعُ"؛ يعني وخَصَّته من الحركات الرفعُ. ورافِعُه ما أُسند إليه من الفعل، أو ما كان في معناه من الأسماء، مثالُ الفعل "قام زيدٌ"، رفعتَ "زيدًا" بـ "قَامَ". ومثالُ ما هو في معنى الفعل من الأسماء نحو أسماء الفاعلين والمفعولين والصفاتِ المشبَّهةِ بأسماء الفاعلين، نحو قولك:"زيدٌ ضاربٌ غلامُه، وحَسَنٌ وَجْهُه، ومضروبٌ أخوه"، فهذا في تقديرِ "يضرِبُ غلامُه، وحَسُنَ وجهُه، ويُضْرَب أخوه"؛ فارتفاعُ كل واحد من "الغلام"، و"الوجهِ" و"الأخ " كارتفاع "زيدٍ" بالفعل قبله من قولك: "ضَرَبَ زيدٌ". وربمّا قال بعضهم في عِبارته:"الفاعلُ ما ارتفع بإسناد الفعل إليه". وهو تقريبٌ، وهو في الحقيقة غير جائز, لأنّ الإِسناد معنًى، ولا خلافَ أن عاملَ الفاعل لفظيّ.
فإن قيل: ولِمَ كان حقُّ الفاعل أن يكون مرفوعًا؟ فالجواب عن ذلك من وُجوهٍ.
أحدها: أنّ الفاعل رُفع للفرق بينه وبين المفعول الذي لولا الإعرابُ لجاز أن يُتوهّم أنه فاعلٌ، وكان الغرضُ اختصاصَ كل واحد منها بعلامةِ تُميِّزه عن صاحبه، وكان زِمامُ هذا الأمر بيَدِ الواضع.
وثانيها: أن الفاعل إنّما اختُصّ بالرفع لقُوّته، والمفعول بالنصب لضُعْفه. والمعنى بقوّة الفاعل تمكُّنُه بلُزومه الفعلَ وعدمِ استغناءِ الفعل، عنه؛ وليس المفعول كذلك، بل يجوز سقوطُه، وحذفُه. ألا ترى أنّك تقول:"ضَرَبَ زيدٌ"، ويكون الكلام مستقلاّ، وإن لم تذكر مفعولًا. ولو أخذتَ تحذف الفاعلَ، ولم تُقِمْ مقامَه شيئًا، نحوَ:"ضَرَبَ زيدًا"، من غير فاعلٍ، لم يكن كلامًا؛ وإذَا كان الفاعلُ أقوى، والمفعولُ أضعف.
والضمّةُ أقوى من الفتحة, لأنّ الضمّة من الواو، والفتحة من الألف، والواوُ أقوى من الألف، لأنّها أضْيَقُ مَخْرَجًا, ولذلك يسوغ تحريكُ الواو، ولا يمكن ذلك في