للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال صاحب الكتاب: ولم يعد الشيخ أبو علي الفارسي "إمَّا" في حروف العطف؛ لدخول العاطف عليها, ووقوعها قبل المعطوف عليه.

* * *

قال الشارح: قد كنا ذكرنا أن أبا علي لم يعد "إما" في حروف العطف، وذلك لأمرَيْن: أحدهما أنها مكررةٌ، فلا تخلو العاطفة من أن تكون الأُولى أو الثانية، فلا يجوز أن تكون الأوُلى؛ لأنها تُدْخِل الاسمَ الذي بعدها في إعراب الاسم الذي قبلها وليس قبلها ما تعطفه عليه. ولا تكون الثانية هى العاطفة؛ لدخول واو العطف عليها، وحرفُ العطف لا يدخل على مثله. قال ابن السرّاج: ليس "إمَّا" بحرف عطف؛ لأن حروف العطف لا يدخل بعضُها على بعض، فإن وجدت شيئًا من ذلك في كلامهم، فقد خرج أحدهما من أن يكون حرف عطف، نحوَ قولك: "ما قام زيدٌ لا عمرو"، فـ "لا" في هذه المسألة ليست عاطفة، إنما هي نافية. ونحن نجد "إمَّا" هذه لا يُفارِقها حرفُ العطف، فقد خالفتْ ما عليها حروفُ العطف.

والثاني من الأمرَين ابتداؤك بها من نحو قوله تعالى: {إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} (١). وذلك أن موضع "أنّ" في كلا الموضعين رفعٌ بالابتداء، والتقديرُ: إمّا العذابُ شأنُك أو أمرُك، وإمّا اتّخاذُ الحسن. وحكى سيبويه (٢): "إمّا أن يقوم وإما أن لا يقوم"، فموضعُ "أنْ" فيها رفعٌ، ومثلُ ذلك أجازه سيبويه في البيت الذي أنشده، وهو [من الوافر]:

لقد كَذَبَتك نفسُك فاكذِبَنها ... فإن جَزَعًا وإنْ إجمالَ صَبْرِ (٣)

قال (٤): ولو رفعت، فقلت: "فإنْ جَزَعٌ، وإن إجمالُ صبر"، لكان جائزًا، كأنك


= الإعراب: "تهاض": فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمّة، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره: (هي) يعود إلى نفس الشاعر التي ذكرها قبلًا. "بدار": جار ومجرور متعلقان بـ "تهاض". "قد تقادم ": "قد": حرف تحقيق وتقريب، "تقادم": فعل ماضٍ مبني على الفتح. "عهدها": فاعل مرفوع بالضمة، و"ها": ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. "وإما": الواو: للعطف، "إما": حرف تفصيل."بأموات": جار ومجرور متعلّقان بـ "ألمّ". "ألمّ": فعل ماضٍ مبني على الفتح. "خيالها": فاعل مرفوع بالضمة، و"ها": ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة.
وجملة "تهاض بدار": في محل جر صفة لـ" نفس" في البيت السابق. وجملة "تقادم": في محل جر صفة لـ "دار". وجملة "ألم": في محلّ جرّ صفة لـ "أموات".
والشاهد فيه قوله: "تهاض بدار .... " وإما ألم" حيث حذف "إما" الأولى، لدلالة الثانية عليها، والتقدير: "إما تهاض بدار، وإما تلمّ بأموات".
(١) الكهف: ٨٦.
(٢) الكتاب ٣/ ٣٣١، وفيه: "إمّا أن تفعل وإما أنْ لا تفعل".
(٣) تقدم بالرقم ١١٣٦.
(٤) الكتاب ١/ ٢٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>