للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجمع بين "ألا"، و"يا"، وكلاهما للتنبيه.

وأما "وا"، فمختصٌّ به النُّدْبَةُ؛ لأن الندبة تفجعٌ وحُزْنٌ، والمرادُ رفيع الصوت ومدُّه لاستماع جميع الحاضرين. والمدُّ الكائنُ في الواو والألف أكثرُ من المدّ الكائن في الياء والألف.

وأصلُ النداء تنبيهُ المدعو ليُقْبِل عليك، وتُؤثر فيه الندبةُ والاستغاثةُ والتعجبُ، وهذه الحروفُ لتنبيه المدعوّ، والمدعوُّ مفعولٌ في الحقيقة، ألا ترى أنّك إذا قلت: "يا فلانُ"، فقيل لك: "ماذا صنعتَ به؟ " فقلتَ: "دعوتُه"، أو"ناديتُه"، وكان الأصل أن تقول فيه: "يا أدعوك"، و"أناديك"، فيُؤْتَى بالفعل وعلامةِ الضمير, لأن النداء حالُ خطاب، والمخاطَبُ لا يُحدث عن اسمه الظاهرِ، لئلا يتوهم أن الحديث عن غيره، ولأن حضوره يُغْنِي عن اسمه، ولكنهم جعلوا في أوّل الكلام حرف النداء، وهو قولهم: "يا"، ليفصلوا بين الخطاب الذي ليس بنداءٍ وبينه، ويخاطبوا بذلك القريبَ والبعيدَ. وكان ذلك بحرِف لين ليمتدّ به الصوتُ، وعُرف بالنداء حتى استُغني عن ذكرِ الفعل، وحُذف اختصارًا مع أمن اللبس، فقالوا: "يا فلانُ"، ولم يقولوا: "يا أدعو فلانًا". وكان حقُّه أن يقولوا: "يا أدعوك"، إلَّا أن الفعل حُذف لِما ذكرنا، ووُصْع الاسم الظاهر موضعَ المضمر؛ لئلا يظن كلُّ سامع النداء أنه هو المنادى والمعني بعلامة الإضمار. واختص باسمه الظاهر دون كلّ من يسمعه، وجرى ذلك له إذا كان وحده، كما يجري عليه إذا كان في جماعةٍ؛ لئلا يختلف، فيلتبسَ، كما لزم ذلك الفاعلَ في إعرابه. ألا ترى أنك ترفع الفاعل للفرق بينه وبين المفعول، ومع هذا فإنك ترفعه حيث لا مفعولَ، نحوَ: "قام زيدٌ وظرُف خالدٌ"؟

واعلم أنهم قد اختلفوا في العامل في المنادى، فذهب قومٌ إلى أنه منصوب بالفعل المحذوف لا بهذه الحروف، قال: وذلك من قبل أن هذه الحروف إنما هي تنبيهُ المدعوّ، وهي غيرُ مختصة، بل تدخل تارة على الجملة الاسمية، نحوَ قول الشاعر [من البسيط]:

يَا لَعْنَةُ اللهِ والأقْوامُ كُلُّهُمُ ... والصالحون على سِمْعانَ مِن جارِ (١)

وتارةً على الجملة الفعلية، نحوَ قوله تعالى: {أَلَّا يَسْجُدُوا} (٢) وما هذا سبيلُه فإنه لا يعمل، ولا يُقال بأنه عمل بطريق النيابة عن الفعل الذي هو" أدعو"؛ لأنّا نقول:


= وجملة "النداء": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "هجت": في محل جرّ مضاف إليه. وجملة "زادني": واقعة في جواب القسم لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "ألا يا" حيث جمع بين "ألا" و"يا" وكلاهما للتنبيه.
(١) تقدم بالرقم ٢٣٦.
(٢) {أَلَّا يَسْجُدُوا} [النمل: ٢٥]. وقد أثبت الشارح قراءة الكسائي والحسن ورويس وغيرهم.
انظر: البحر المحيط ٧/ ٦٨؛ وتفسير الطبري ١٩/ ٩٣؛ وتفسير القرطبي ١٣/ ١٨٦؛ والكشاف ٣/ ١٤٥؛ والنشر في القراءات العشر ٢/ ٣٣٧؛ ومعجم القراءات القرآنية ٤/ ٣٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>