للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا "جَيرَ"، فحرفٌ معناه "أجَلْ"، و"نَعَم". وإنما جُمع بينهما للتأكيد. قال الشاعر، أنشده الجَوْهري [من الطويل]:

وقلن على الفردوس ... إلخ

الفِرْدَوْس: البُسْتان. والدَّعاثِرُ: جمع دَعْثَرَةٍ، وهو الحَوْض المتثلم. وأكثرُ ما يُستعمل مع القسم، يُقال: "جيرِ لا أفعلن"، أي: نَعَمْ واللهِ. وهو مكسورُ الآخر، وربما فُتح، وحقه الإسكان كـ "أجَل"، و"نَعَمْ". وإنما حُرك آخره لالتقاء الساكنين: الراء والياء كـ "أينَ" و"كَيفَ"، و"لَيتَ". والكسرُ فيه على أصل التقاء الساكنين، والفتحُ طلبًا للخفة لثِقَل الكسرة بعد الياء.

فإن قيل: فما بالهم فتحوا في "أينَ"، و"كَيفَ"، و"لَيْتَ"، وكسروا "جَيرِ" وفيها من الثقل ما في "لَيتَ" وأخواته؟ قيل: على مقدار كثرة استعمال الحرف يختار تخفيفُه، فلما كثُر استعمالُ "أين"، و"كيف"، و"ليت" مع العلّة التي ذكرناها من اجتماع الكسرة والياء؛ آثروا الفتحةَ لذلك. ولما قل استعمالُ "جَيرِ"، لم يحفِلوا بالثقل، وأتوا فيه بالكسر الذي هو الأصل، فاعرفه.

وأما "إيْ"، فحرفٌ يجاب به كـ "نَعَم" و"جَيرِ" ولا يُستعمل إلَّا في القسم، تقول لمن قال: "أقام زيدٌ؟ ": "إيْ واللهِ"، و"إي ورَبي"، و"إي لَعَمرِي". قال الله تعالى: {قُلْ إِي وَرَبِّي} (١)، وهمزتُها مكسورةٌ، والياءُ فيها ساكنةٌ، إذ لم يلتق في آخرها ساكنان بقيت ساكنةً على ما يقتضيه البناءُ.

فأما "إن"، فيكون جوابًا بمعنَى "أجَل"، فإذا قال: "قد أتاك زيدٌ"، فتقول: "إنه" أي: أجل، والهاءُ للسَّكت، والمرادُ "إنّ"، إلَّا أنك الحقتَها الهاءَ في الوقف، والمعنى معنى: "أجل". ولو كانت الهاء هاءَ الإضمار؛ لثبتت في الوصل كما تثبت في الوقف. وليس الأمر كذلك، إنما تقول في الوصل: "إن يا فتى" بحذف الهاء، قال الشاعر [من مجزوء الكامل]:

بَكَرَ العَواذِلُ في الصَّبوح ... يَلُمنَنِي وألُومُهُنَّة

ويَقُلنَ: شَيبٌ قد عَلَا ... ك وقد كَبِرتَ فقلتُ إنهْ (٢)

وإنما ألحقوا الهاءَ كراهيةَ أن يجمعوا في الوقف بين ساكنين، لو قالوا: "إن"، فألحقوها الهاء لبيان الحركة التي تكون في الوصل، إذ كانوا لا يقفون إلَّا على ساكن. وأما خروجُ "إنَّ" إلى معنى "أجَل"، فإنها لمّا كانت تُحقّق معنى الكلام الذي تدخل عليه في قولك: "إنَّ زيدًا لَراكبٌ"، فتُحقَّق كلامَ المتكلم، حُقق بها كلامُ السائل إذ كان معناها التحقيق، فحصل من أمرها أنها تحقق تارةً كلامَ المتكلم، وتارةً كلامَ غيره على سبيل الجواب، فاعرفه.


(١) يونس: ٥٣. وفي الطبعتين: "قل إي وربي لتُبعثن" (؟).
(٢) تقدم بالرقم ٤٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>