للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشارح: اعلم أن الفاعل قد يُذْكَر، وفعلُه الرافعُ له محذوفٌ لأمر يدلّ عليه، وذلك أنّ الإنسان قد يرى مضروبًا أو مقتولًا، ولا يعلم مَن أوقعَ به ذلك الفعلَ من الضرب أو القتلِ، وكلُّ واحد منهما يقتضي فاعلًا في الجملة، فيَسْأل عن الفاعل، فيقول: "مَن ضَرَبَهُ؟ " أو: "من قتله؟ " فيقول المسؤولُ: "زيدٌ"، أو: "عمرٌو"، يريد: ضَرَبَهُ زيدٌ، أو قتله عمرٌو، فيرتفع الاسمُ بذلك الفعل المقدَّر، وإن لم يُنْطَق به, لأنّ السائل لم يشُكّ في الفعل، وإنما يشكّ في فاعله، ولو أظهره فقال: "ضربه زيدٌ"، لكان أجودَ شيءٍ، وصار ذكرُ الفعل كالتأكيد.

ومن ذلك قوله تعالى: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ} (١) بفتح الباء في قراءةِ عاصم وابن عامر. وذلك أنَّه بناه لِمَا لم يسمَّ فاعلُه، فأقام الجارَّ والمجرورَ بعده مقامَ الفاعل، ثمّ فسّر مَن يُسبِّح على تقديرِ سؤالِ سائل: "من يُسبِّحه"؟ فقال: "رجالٌ"، أبي: يُسبِّح له رجالٌ، فرفع "رجالًا" بهذا الفعل المضمر الذي يدلّ عليه "يُسبَّح", لأنّه لمّا قال: "يسبَّح له"، دلّ أنّ ثمَّّ مسبِّحًا ..

ومثله بيتُ الكتاب:

لِيُبْكَ يَزِيدُ ضارعٌ لِخُصُومةٍ. . . ومختبِطٌ مِمَّا تُطِيحُ الطَوائحُ

البيت لابن نَهِيك النَّهْشَلِيّ. والشاهد فيه رفعُ "ضارع" بفعل محذوف، كأنّه قيل: "من يَبكيه"؟ فقال: "ضارعٌ لخصومة"، أبي: يبكيه ضارع لخصومة. "والمختبِط": المحتاج، وأصلُه ضربُ الشجر للإبل لِيسقُطَ ورقُها وتُعْلَفَ. يصِف أنَّه كان مُقيمًا بحُجَّةِ


= والمقاصد النحوية ٢/ ٤٥٤؛ وخزانة الأدب ١/ ٣١٣؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢/ ٣٤٥، ٧/ ٢٤؛ وأمالي ابن الحاجب ص ٤٤٧، ٧٨٩؛ وأوضح المسالك ٢/ ٩٣؛ وتخليص الشواهد ص ٤٧٨؛ وخزانة الأدب ٨/ ١٣٩؛ والخصائص ٢/ ٣٥٣، ٤٢٤، وشرح الأشموني ١/ ١٧١؛ والشعر والشعراء ص ١٠٥، ١٠٦؛ والكتاب ١/ ٣٦٦، ٣٩٨؛ ولسان العرب ٢/ ٥٣٦ (طوح)؛ والمحتسب ١/ ٢٣٠؛ ومغني اللبيب ص ٦٢٠؛ والمقتضب ٣/ ٢٨٢؛ وهمع الهوامع ١/ ١٠٦.
الإعراب: "ليبك": اللام: للأمر، "يبك": فعل مضارع للمجهول مجزوم بحذف حرف العلة. "يزيد": نائب فاعل مرفوع. "ضارع": فاعل لفعل محذوف تقديره: "يبكيه". "لخصومة": جار ومجرور متعلّقان بـ "ضارع": "ومختبط": الواو: حرف عطف، و"مختبط": معطوف على "ضارع". "ممّا": جار ومجرور متعلّقان بـ "مختبط". "تطيح": فعل مضارع مرفوع. "الطوائح": فاعل مرفوع. وجملة "ليبك ... ": ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "يبكيه ضارع": المقدّرة بدل من جملة "ليُبك يزيد". وجملة "تطيح ... ": صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب.
والشاهد فيه: إضمار عامل الفاعل لقرينة، والتقدير: يبكيك ضارع. و"ضارع" فاعل لفعل محذوف دلّ عليه دخول الاستفهام المُقدَّر، كأنّه قيل: من يبكيه؟ فقيل: ضارع، أبي: يبكيه ضارع، ثم حذف الفعل، و"يزيد" نائب فاعل "يبك" المجزوم بلام الأمر.
(١) النور: ٣٦ - ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>