للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

"صَهٍ" منوّنًا، فكأنّك قلت: "سُكوتًا". وإذا قلت: "صهِ" بغير تنوين، فكأنّك قلت: "السُّكوتَ". وإذا قلت: "مَهٍ" بالتنوين، فمعناه "كَفًّا". وإذا قلت: "مَهِ"، فكأنّك قلت: "الكَفَّ". وكذلك إذا قلت: "إيهٍ"، معناه استزادةً. وإذا قلت: "إيهِ"، فكأنّك قلت: "الاستزادةَ". فالتنوينُ عَلَمُ التنكير وتركه علمُ التعريف. قال ذو الرُّمّة [من الطويل]:

وَقَفْنَا وقلنا إيهِ عن أمِّ سالِمٍ ... وما بالُ تَكلِيمِ الدِيارِ البَلاقِعِ (١)

فكأنّه قال: "الاستزادةَ". وقد أنكر هذا البيتَ الأصمعيّ، وقال: العربُ لا تقول إلَّا: "إيهٍ" بالتنوين. والصوابُ ما قاله الشاعر من أنّ المراد من "إيهِ" بغير تنوين المعرفةُ. وإذا أراد النكرةَ، نوّن على ما قدّمنا. وخَفِيَ على الأصمعيّ هذا المعنى للُطفه. ونظائرُ ذلك كثيرةٌ من نحو: "سِيبَوَيْهِ"، و"سيبويهٍ"، و"عَمرَوَيْهِ"، و"عمرويهٍ". قال الشاعر [من الرجز]:

١١٩٧ - يَا عَمْرَوَيهِ انْطَلَقَ الرِّفاقُ ... وأنْتَ لا تَبْكِي ولا تَشْتَاقُ

إذا نكرتَ نوّنتَ، وإذا أردت المعرفة لم تُنوِّن، فاعرفه.

الثالث: تنوين العِوَض، وذلك نحوُ: "إذٍ"، و"يومئذٍ"، و"ساعتَئِذٍ". وسُمّي هذا الضرب من التنوين تنوينَ عوض؛ لأنّه عوضٌ من جملةِ كان الظرف الذي هو "إذْ" مضافًا إليها (٢)؛ لأنّه قد تقدّم إنّ "إذ" تضاف إلى الجملة، فلمّا حُذفت تلك الجملة للعلم بموضعها، عُوّض منها التنوين اختصارًا، وذلك نحو قوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَالَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} (٣). والأصلُ: يومَئِذ تُزلزل الأرض زلزالها، وتُخرِج الأرض أثقالها، ويقول الإنسان: ما لها. فخذفت هذه الجُمَل الثلاث، وناب منابَها التنوين، فاجتمع ساكنان، وهما الذال والتنوين، فكُسرت الذال لالتقاء الساكنين.


(١) تقدم بالرقم ٥٢١.
١١٩٧ - التخريج: الرجز بلا نسبة في اللمع في العربية ص ٢٤١.
الإعراب: "يا": حرف نداء. "عمرويه": منادى مفرد علم مبني على الكسر لفظًا، وعلى الضم محلًا، محله النصب. "انطلق": فعل ماضٍ. "الرفاق": فاعل. "وأنت": الواو: حاليّة، "أنت": ضمير منفصل مبني في محلّ رفع مبتدأ. "لا": نافية. "تبكي": فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل مستتر تقديره: أنت. "ولا": الواو: حرف عطف، "لا": زائدة لتوكيد النفي. "تشتاق": فعل مضارع مرفوع، وفاعله مستر وجوبًا تقديره: أنت.
وجملة "يا عمرويه": ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "انطلق الرفاقُ": استئنافية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "أنت لا تبكي": حالية محلّها النصب. وجملة "لا تبكى": في محلّ رفع خبر "أنت"، وعطف عليها جملة "لا تشاق".
الشاهد فيه: بناء "عمرويه" على الكسر دون تنوين؛ لأنه اسم دال على معرفة محددة، ومنتهٍ بـ "ويه".
(٢) في الطبعتين: "كان الظرف مضافًا إليها الذي هو"إذْ".
(٣) الزلزلة: ١ - ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>