للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشديدةُ نونان: الأُولى منهما ساكنةٌ، فاجتمع ساكنان، فكرهوا ضمَّها أو كسرَها؛ لأنّ ضمّها يُلْبِس بفعل الجمع، وكسرها يلبس بفعل المؤنث، كقولك في فعل الجمع: "لاتَضرِبُنَّ"، وفي فعل المؤنّث "تَضْرِبِنَّ".

وقد اختلفوا في هذه الحركة، فذهب قومٌ إلى أنَّها بناءٌ، وذهب آخرون إلى أنّها حركةُ التقاء الساكنين. واحتجّ الأوّلون بأنّها لو كانت لالتقاء الساكنين، لكانت عارضة، وقد قالوا: "قُولَنَّ"، و"بِيعَنَّ"، فأعادوا الواو والياء، فدلّ أنّ الحركة حركةُ بناء لا حركةُ التقاء الساكنين. والصحيحُ الثاني. فأمّا إعادةُ المحذوف، فإنّ النون لمّا دخلت على هذا الفعل، صار كالتركيب، وصار الكلمتان كالكلمة الواحدة، وصارت الحركةُ كاللازمة لذلك.

وتقول في فعل الاثنين: "اضرِبَانِّ زيدًا"، و"لَا تَضرِبَانِّ زيدًا". قال الله تعالى: {وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (١). وتقول في الجمع: "هل تَضرِبُنَّ زيدًا يا قومُ"، و"لا تضربُنَّ زيدًا يا قوم"، فتحذف الواو التي هي ضميرُ الفاعل لالتقاء الساكنين، وبقيت الضمّةُ قبلها تدلّ عليها. وتقول في المؤنّث: "هل تَضرِبِنَّ يا هندُ"، والأصل: "تَضرِبِينَنَّ"، فحذفت النون التي هي علامةُ الرفع للبناء، وحذفت الياء لالتقاء الساكنين.

فإن قيل: ولِمَ لا حُذفت الألف لالتقاء الساكنين في فعل الاثنين كما سقطت الواوُ في فعل الجماعة، والياءُ في فعل المؤنّث؟ قيل: لأنّها لو سقطتْ، لأشبه فعلَ الواحد، وليس ذلك في فعل الجماعة، وفعل المؤنّث، مع أنَّه وُجد فيه الشرطان المرعيّان في الجمع بين ساكنَيْن، وهو كونُ الساكن الأوّل حرفَ مدّ ولين، والثاني مدّغمًا فهو كـ "دابَّةٍ" و"شابّة" و"تُمُودَّ الثَّوْبُ"، و"أُصَيْمَّ"، و "مُدَيقِّ" تصغيرِ: "أصَمَّ" و"مِدَقٍّ"، غيرَ أنّ الحذف أوْلى فيما لا يُشكِل.

وكل موضع تدخل فيه الشديدة، فإنّ الخفيفة تدخل فيه أيضًا، إلَّا مع فعل الاثنين وفعل جماعة النساء. فإنّ الخليل وسيبويه كانا لا يَرَيان ذلك. وكان يونس (٢) وناسٌ من النحويين غيره يرون ذلك، وهو قول الكوفيين (٣). وحجّةُ سيبويه أنّا لو أدخلنا النون الخفيفة في فعل الاثنين، لقلنا: "اضرِبَانْ زيدًا"، فكان يجتمع ساكنان في الوصل على غير شرطه؛ لأن الساكن الثاني هنا غير مدغم.

ولسنا مضطرّين إليها بحيث نصير إلى صورةٍ نخرج بها عن كلام العرب.


(١) يونس: ٨٩.
(٢) الكتاب ٣/ ٥٢٧.
(٣) انظر المسألة الرابعة والتسعين في كتاب "الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين". ص ٦٥٠ - ٦٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>