وقد أمالوا "بَلى" لكونها على ثلاثة أحرف كالأسماء، وإنما تكفي في الجواب، فصارت دلالتُها كدلالة الأسماء. ولا يلزم على ذلك إمالة "حَتَّى"، و"إلَّا" ونحوهما ممّا هو على ثلاثة أحرف فصاعدًا؛ لأنّها وإن كانت على عدّة الأسماء؛ فإنّها لا تفيد بانفرادها, ولا تكفي عن شيء، فلم تكن مثلَ "بَلى".
ومن ذلك قولهم:"إمَّا لا" تمال، وذلك أنّهم أرادوا:"افعلْ هذا إن كنتَ لا تفعل غيرَه"، ولكنّهم حذفوا الفعل لكثرته في الكلام، فـ "ما" في "إمّا" ها هنا كما كانت في "أَمَّا أنت منطلقًا" عوضٌ من الفعل. يدلّ على ذلك أنّه لا يظهر معها الفعلُ. ولمّا كان أصلُ هذه الكلمة ما ذكرنا، حُذفت منها هذه الأشياء، فغُيّرت أيضًا بالإمالة "لا" منها، و"لا" حرفٌ لا يمال في غير هذا الموضع إذا كان منفردًا. وقد حكى قُطْرُبٌ إمالتَها، ووجهُ ذلك أنّها قد تقع جوابًا، ويُكتفى بها في الجواب، فيقال في جواب:"زيدٌ عندك": "لا"، فلمّا استقلّت بنفسها، أمالوها. وإمالةُ "بَلى" أقيسُ من إمالةِ "لا"؛ لأنّها مع ذلك على ثلاثة أحرف كالأسماء.
وأمّا "يا" في النداء، فإنّه حرفٌ، والقياسُ أن لا يمال كأخواته، إلَّا أنّه لمّا كان نائبًا عن الفعل الذي هو: أُنادي وأَدْعُو، وواقعًا موقعَه، أمالوه كما أمالوا "إمّا لا"، ولأجل الياء أيضًا قبلها.
فأمّا الأسماء المبنيّة غير المتمكّنة، فأمرُها كأمر الحروف، وألفاتُها أصولٌ غيرُ زوائد، ولا منقلبة. والدليلُ على ذلك أنّها غيرُ مشتقّة، ولا متصرّفة، فلا يُعْرَف لها أصلٌ غير هذا الذي هي عليه، إذ بالاشتقاق يُعْرَف كونها زائدةً. ولا تكون منقلبة؛ لأنّها لاماتٌ. واللامُ إذا كانت حرفَ علّة، لا تنقلب إلَّا إذا كانت في محلَّ حركة.
وهذه الحروف مبنيّة على السكون لا حَظَّ لها في الحركة، فلو كانت الألفُ في "ما" مَثَلًا أصلها الواوُ، لَقالوا:"مَوْ", ولم تُقْلَب، كما قالوا:"لَوْ"، و"أو". ولو كانت من الياء، لقالوا:"مَيْ". فلمّا لم تكن زائدة، ولا منقلبة، حكمنا عليها بأنّها أصلٌ، وهو الظاهر. ولا يُعْدَل عن الظاهر إلى غيره إلَّا بدليل. وإذا لم تكن ياء، لم تُمَلْ.
وقد أميل منها أشياء. قالوا:"ذا"، فأمالوا، حكى ذلك سيبويه (١). وإنّما جازت إمالتُه، وإن كان مبنيًّا غير متمكّن من قبل أنّه يُشابِه الأسماء المتمكّنة من جهةِ أنّه يوصَف، ويوصَف به، ويُثنَّى، ويُجمع، ويُصغَّر، فساغت فيه الإمالةُ كما ساغت في الأسماء المعربة المتمكّنة. وألفُه منقلبة عن ياء هى عينُ الكلمة، واللامُ محذوفة، كأنّ أصله "ذَيّ"، فثقل عليه التضعيف، فحذفوا الياء الثانية، فبقيت "ذيْ"، فقلبوها ألفًا لانفتاح ما