قبلها، وإن كانت في نفسها ساكنة طلبًا للخفّة، كما قالوا في التسب إلى "الحِيرة": "حاريٌّ"، وفي "طَيَّىء": "طائيٌّ". وحكى أبو زيد عن بعضهم في تحقير "دابَّةٍ": "دُوَابَّةٌ"، والأصلُ:"دُوَيْبَّةٌ"، ثُمّ أبدلوا من ياء التصغير ألفًا، وإن كانت ساكنة.
ومن ذلك إمالتُهم "مَتى"، و"أنّى"؛ لأنّهما مستقلّتان بأنفسهما غيرُ محتاجتين إلى ما يوضحهما كاحتياج "إذا"، و"ما"، فقرُبتا من المعرفة، فأميلتا لذلك (١).
ولا يمال ما لا يستقلّ في الدلالة، وهو ما يفتقر إلى ما بعده كالأسماء الغالبِ عليها شَبَهُ الحرف نحو "ما" الاستفهاميّةِ، والشرطيّة، والموصولة، فهذه قد غلب عليها شبهُ الحرف، فـ "ما" الاستفهاميّةُ متضمِّنةٌ معنى الاستفهام لدلالتها على ما يدل عليه أداتُه، فهي غيرُ مستقلّة بنفسها لإفادتها ذلك المعنى فيما بعدها، وكذلك الشرطيّةُ والموصولةُ، لا تقوم بنفسها, ولا تتمّ اسمًا، إلَّا بما بعدها من الصلة. والموصوفةُ بمعنى الموصولة لافتقارها إلى الصفة. وكذلك "إذا" مشابِهةٌ للحرف، وهو المقتضي لبنائها. وذلك الشَّبَهُ اقتصارُهم على إضافتها إلى الجملة.
فهذه الأسماء كلّها لا تجوز إمالتُها؛ لأنّ ألفاتها أصلٌ، إذ لا حركةَ فيها تُوجِب قَلْبَها، وإنّما حقُّها أن تكون ساكنة الأواخر. ألا ترى أنّ "ما" في وجوهها الاستفهاميّة، والجزائيّةَ، والموصولةَ، والموصوفةَ بمنزلةِ "مَنْ"؟ فكما أنّ آخِرَ "مَنْ" ساكنٌ، قكذلك ينبغي أن تكون أواخرُها. وأمّا "عَسَى" فإمالتُها جيّدة؛ لأنّها فعلٌ، وألفُها منقلبة عن ياء؛ لقولك:"عَسَيْتُ"، و"عَسَيْنَا"، فاعرفه.
(١) في الطبعتين: "لأنهما مستقلة بأنفسهما غير محتاجة إلى ما يوضحهما كاحتياج "إذا" و"ما"، فقربت من المعرفة، فأميلت لذلك".