للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المفيدةِ احتيج إلى الإعراب لِيدلّ على ذلك المعنى. فأمّا إذا ذكرتَه وحدَه، ولم تُخْبِر عنه، كان بمنزلةِ صوت تصوّته غيرِ معرَب.

* * *

وقوله: "وكونُهما مجرَّدَيْن للإسناد هو رافعُهما لأنّه معنى قد تناولهما معًا تناوُلًا واحدًا" إشارةٌ إلى أنّ العامل في المبتدأ والخبرِ تجريدُهما من العوامل اللفظيّة.

وهي مسألةٌ قد اختلف فيها العُلماءُ؛ فذهب الكوفيون إلى أن المبتدأ يرفع الخبرَ، والخبر يرفع المبتدأ، فهما يترافعان (١). قالوا: وإنما قلنا: ذلك لأنّا وجدنا المبتدأ لا بدّ له من خبرٍ، والخبرَ لا بدّ له من مبتدأ، فلمّا كان كلُّ واحد منهما لا ينفَك من الآخر، ويقتضي صاحبَه، عمِل كل واحد منهما في صاحبه، مِثْلَ عَمَلِ صاحبه فيه. قالوا: ولا يمتنع الشيءُ أن يكون عاملًا ومعمولًا في حال واحدة، وقد جاء لذلك نظائرُ؛ منها قوله تعالى: {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (٢)، فنصب "أيّا" بـ "تَدْعُوا"، وجزم "تدعوا" بـ "أيّ"، فكان كلُّ واحد منهما عاملًا ومعمولًا في حال واحدة. ومثلُه قوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} (٣)، فـ "أيْنَمَا" منصوبٌ بـ "تكونُوا"، لأنه الخبرُ، و"تكونُوا" مجزومٌ بـ "أيْنَمَا". وذلك كثير في كلامهم؛ فكذلك ههنا. وهو فاسدٌ لأنه يؤدّي إلى مُحال، وذلك أن العامل حقُّه أن يتقدّم على المعمول. وإذا قلنا: إنّهما يترافعان، وجب أن يكون كلُّ واحد منهما قبل الآخر، وذلك محالٌ, لأنّه يلزمَ أن يكون الاسم الواحد أوّلًا وآخِرًا في حال واحدة. ومما يؤيّد فَسادَ ما ذهبوا إليه جوازُ دخولِ العوامل اللفظية عليهما، نحوَ: "كان زيدٌ أخاك"، و"إن زيدًا أخوك"، و"ظننتُ زيدًا أخاك"، فلو كان كلُّ واحد منهما عاملًا في الآخر، لَما جاز أن يدخل عليه عامل غيرهُ. وأمّا الآيات التي أوْردوها، فإن الجواب عنها من وجهَيْن:

أحدهما: أنّا لا نُسلَّم أنّ الجزم في الفعل بنفسِ الاسم المنصوب، وإنمّا هو بتقديرِ حرف الشرط الذي هو "إنْ"، والنصبُ في الاسم بالفعل المذكور؛ فإذا العاملُ في كلّ واحد منهما غيرُ الآخر.

الثاني: أنا نسلَّم إن كلّ واحد منهما عاملٌ في الآخر، إلَّا أنّه باعتبارَيْن: فالجزمُ باعتبارِ نِيابته عن حرف الشرط، لا من حيث هو اسمٌ؛ والنصبُ في الاسم بالفعل نفسِه، فهما شيئان مختلفان، وليس كذلك ما نحن فيه, لأنّه باعتبارٍ واحدٍ يكون عاملًا ومعمولًا، وهو كونُه مبتدأ وخبرًا.


(١) انظر: الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين. ص ٤٤ - ٥١.
(٢) الإسراء: ١١٠.
(٣) النساء: ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>