للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فليس على معنى القسم، وإنّما المراد: سألتُ اللَّهَ أنّ يُطيل عَمْرَك.

ومن ذلك قولهم: "اَيْمُنُ اللَّهِ لأفعلنّ" وهو اسم مفرد موضوع للقسم مأخوذٌ من اليُمْن والبَرَكَة، كأنّهم أقسموا بيُمن الله وبركتِه، وهو مرفوع بالابتداء، وخبرُه محذوف للعلم به كما كان كذلك في "لعمر الله"، وتقديرُه: اَيمُنُ اللَّهِ قَسَمي أو يميني ونحوهُما. وتدخل عليه لامُ الابتداء على حدّ دخولها على "لعمر الله". ومنه قول الشاعر [من الطويل]:

فقال فَرِيقُ القَوْمِ لمّا نَشَدْتُهم ... نَعَمْ وفريقٌ لا يْمُنُ اللَّهِ ما نَدْرِي (١)

وفُتحت الهمزة منه، وذلك من قبل أنّ هذا الاسم غيرُ متمكّن، لا يُستعمل إلَّا في القسم وحدَه، فضارَعَ الحرفَ بقلّةِ تمكُّنه، ففُتح تشبيهًا بالهمزة اللاحقة لامَ التعريف، وذلك فيه دون بناء الاسم لشَبَه الحرف. وقد حكى يونس: "إيمُنُ اللَّهِ" بكسر الهمزة. ويؤيّد عندي أيضًا حالَ هذا الاسم في مضارعته الحرفَ أنّهم قد تَلاعبوا به، فقالوا مرّةً: "اَيْمُنُ الله"، ومرّةً: "اَيْمُ اللَّهِ"، بحذف النون، ومرّة: "إِيِمُ الله" بالكسر، ومرّة: "مِ اللَّهِ"، ومرّة: "مُ اللَّهِ"، ومرّة: "مِنْ ربَّي"، و"مُنْ ربَّي". فلمّا حذفوه هذا الحذفَ المُفْرِطَ، وأصاروه مرّة على حرفَيْن، ومرّة على حرفٍ كما تكون الحروفُ، قوي شَبَهُ الحرف عليه، ففتحوا ألفَه تشبيهًا بالهمزة الداخلة على لام التعريف. وذهب الكوفيون (٢) إلى أنّ همزته قَطْعٌ، وأنّه جمعٌ لا مفردٌ، وهو جمعُ "يَمِينٍ"، كما قال العِجْليّ [من الرجز]:

يَسرِي لها من أَيْمُنِ وأَشْمُلِ (٣)

وسقطت همزتُه في الوصل لكثرة الاستعمال. والوجهُ الأوّل، لِما ذكرناه من أنّه قد سُمع في هذه الهمزة الكسرُ لكثرة التصرّف في هذا الاسم بالحذف، ولا يكون ذلك في المجموع.


= الإعراب: "أيُّها": منادى مبني على الضم في محل نصب، و"ها": للتنبيه. "المنكح": صفة لـ "أي" تابعة له على اللفظ، أو بدل منه. "الثريا": مفعول به منصوب بفتحه مقدرة على الألف للتعذر. "سهيلاً": مفعول به ثان لاسم الفاعل "مُنْكِح". "عَمْرَك": مفعول مطلق لفعل محذوف، أو مفعول به لفعل محذوف، "الله": مفعول به ثان لذلك الفعل المحذوف. "كيف": اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب حال. "يلتقيان": فعل مضارع مرفوع بالنون لأنه من الأفعال الخمسة، وألف الاثنين: فاعل.
جملة "أيها المنكح": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "عمرك الله" مع العامل المحذوف: اعتراضية لا محل لها من الإعراب، وجملة "كيف يلتقيان": استئنافية لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "عمرك الله" حيث لم تأتِ هذه الجملة للقسم، بل للسؤال والطلب بإطالة عمره.
(١) تقدم بالرقم ١٠٨٧.
(٢) انظر المسألة التاسعة والخمسين في كتاب "الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين" ص ٤٠٤ - ٤٠٩.
(٣) تقدم بالرقم ٧٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>