للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأمّا "أمانةُ الله"، فكذلك مرتفعةٌ بالابتداء، والخبرُ محذوف، ويجوز نصبُه على تقدير حذف حرف الجرّ. قال الشاعر [من الوافر]:

١٢٣٩ - إذا ما الخُبْزُ تَأْدِمُهُ بلَحْمٍ ... فذاكَ أَمانَةَ اللَّهِ الثَّرِيدُ

أراد: بأمانة الله. وقالوا: "عَلَيَّ عَهْدُ الله" فـ "عهدُ الله" مرتفع بالابتداء، و"عَلَيَّ" الخبرُ، وفيه معنى القسم، فاللفظُ على نحو. "في الدار زيدٌ"، والمعنى على "أحلفُ بالله".

وقوله: "من شأن الجملتين أنّ تتنزّلا منزلة جملة واحدة كجملتي الشرط والجزاء"، يريد أنّ القسم وجوابه، وإن كانا جملتَيْن، فإنّهما لمّا أُكّد إحداهما بالأخرى؛ صارت كالجملة الواحدة المركّبة من جزئين كالمبتدأ والخبر, فكما أنّك إذا ذكرتَ المبتدأ وحده لا يفيد، أو الخبر وحده لا يفيد، كذلك إذا ذكرت إحدى الجملتين دون الأخرى. لو قلت: "أحلف بالله" كان كقولك: "زيدٌ" وحدَه في عدم الفائدة.

وقوله: "ويجوز حذف الثانية ها هنا عند الدلالة جواز ذلك ثمّ"، يريد أنّ جملة القسم وجملة المقسم عليه تجريان مجرى الجملة الواحدة على ما ذكرناه في الشرط والجزاء، فكما جاز حذفُ الجزاء لدلالةِ حال عليه، نحو: "أنتِ طالقٌ إن دخلتِ الدارَ"، فجوابُ هذا الشرط محذوفٌ، والتقدير: "إن دخلت الدار طلقتِ". ولا يكون ما تقدّم الجوابَ؛ لأنّ الجزاء لا يتقدّم الشرط، ولو كان جوابًا للزمتْه الفاء. ومن ذلك "أنا ظالمٌ إن فعلتُ"، ومنه قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} (١)، وكذلك القسمُ قد يُحذف منه


١٢٣٩ - التخريج: البيت بلا نسبة في الكتاب ٣/ ٦١؛ ولسان العرب ١٢/ ٩ (أدم).
اللغة: تأدمه: تخلطه. الثريد: نوع من الطعام.
الإعراب: "إذا": ظرفية شرطية غير جازمة متعلقة بالجواب. "ما": حرف زائد لا عمل له. "الخبز": فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور. "تأدمه": فعل مضارع مرفوع بالضمة، والهاء ضمير متصل مبنيّ في محل نصب مفعول به، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت. "بلحم": جار ومجرور متعلقان بالفعل (تأدمه). "فذاك": الفاء رابطة لجواب الشرط، و"ذا" اسم إشارة مبنيّ في محل رفع مبتدأ، والكاف ضمير متصل مبنىّ في محل جر بالإضافة. "أمانة": اسم منصوب على نزع الخافض بتقدير: أحلف أو أقسم، فحُذف حرف الجرّ قبل حذف فعل القَسَم، ويجوز رفعه على أنه مبتدأ، وخبره محذوف تقديره: "أمانة الله قسمي". "الله": لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور. "الثريد": خبر "ذاك" مرفوع بالضمة.
وجملة "تأدمه" المحذوفة: في محل جر بالإضافة. وجملة "تأدمه بلحم": تفسيرية لا محل لها من الإعراب. وجملة "أمانة الله قسمي": اعتراضية لا محل لها من الإعراب. وجملة "ذاك الثريد": جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "فذاك أمانة الله" حث نصب "أمانة" على تقدير حذف حرف الجر (الباء).
(١) يوسف: ٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>