للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في ذلك أنّه لا خلافَ في قولهم: "آدَمُ"، و"آخَرُ"، فوقع التغييرُ والبدلُ في كلمة واحدة على الثانية، فكذلك إذا كانتا في كلمتَيْن.

وأمّا أهل الحجاز فيخفّفون الهمزتين معًا؛ لأنّه لو لم تكن إلّا واحدةً لخُفّفت. قال سيبويه (١): ومن العرب ناسٌ يُدْخلون بين ألف الاستفهام وبين الهمزة ألفًا، وذلك لأنّهم كرهوا التقاء الهمزتين، ففصلوا بينهما بألفٍ، كما قالوا: "اخْشَيْنانِّ"، ففصلوا بألف بين النونات كراهيةَ التقاء هذه الحروف المضاعفة. فأمّا قول الشاعر [من الطويل]:

فَيَا ظَبْيَةَ الوَعْساءِ بين جُلاجِلٍ ... وبين النَّقا آأَنْتِ أَمْ أُمُّ سالِمِ (٢)

البيت لذي الرُّمّة، والشاهد فيه إدخال الألف بين الهمزتين من قوله: "آأَنْت"، كراهيةَ اجتماع الهمزتين، كما دخلت بين النونات في قولهم: "اضْرِبْنَانِّ"، كراهيةَ اجتماعها. والوَغْساءُ: رَمْلَةٌ ليّنةٌ، وجُلاجِلُ: موضعٌ بعينه، ويروى: "حلاحل" بالحاء غير المعجمة. والنَّقا: الكثيبُ من الرمل، وأراد المبالغة في شدّة الشَّبَه بين الظبية والمرأة حتى الْتَبَسَتا عليه، فسأل سؤالَ شاكٍّ. وأمّا البيت الآخر، وهو [من الطويل]:

حزقّ إذا ما القوم ... إلخ

أنشده أبو زيد في نوادره (٣)، قال: أنشدناه الأعرابُ، وأنشده أيضًا الجوهريّ (٤) في كتابه، والشاهد فيه قوله: "آإِيَّاهُ" بإدخال الألف بين همزة الاستفهام، وبين الهمزة التي هي فاءٌ. والحُزُقُّ: القصير الذي يُقارِب الخَطْوَ، كأنّه يهجوه بقصره. يقول: إذا تَفاكهوا، وتَمازحوا، ووصفوا القصير، تفكّر هذا الرجل: هل هو المعنىُّ أم القِرْدُ. وقد قرأ ابن عامر: {أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} (٥)، وكذلك: {أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ} (٦). ثُم بعد دخول ألف الفصل، منهم من يُحقِّق الهمزتين- وهم بنو تميم- ومنهم من يُخفِّف الثانية، وهم أهل الحجاز، وهو اختيارُ أبي عمرو. فمَن حقّق فإنّما المراد الفرارُ من التقاء الهمزتين، وقد حصل ذلك بالألف. ومن خفّف فلأنّ الثانية بين بين، وهي في نيّة الهمزة، فكرهوا أن لا يُدْخِلوا الألف بينهما؛ لأنّ همزةَ بين بين همزةٌ في النيّة، وأمّا إذا لم يُؤْتَ بألف الفصل، ولم يكن قبل همزة الاستفهام شيء، لم يكن بدٌّ من تحقيق همزة الاستفهام؛ لأنّه لا سبيلَ إلى تخفيف الأوّل؛ لأنّ فيه تقريبًا من السا كن لا يُبتدأ به.


(١) الكتاب ٣/ ٥٥١.
(٢) تقدم بالرقم ١٣٥.
(٣) لم أقع عليه في نوادر أبي زيد.
(٤) الصحاح، مادة (حزق).
(٥) البقرة: ٦، ويس:١٠. وانظر: الكشاف ١/ ٢٦؛ ومعجم القراءات القرآنية ١/ ٢١.
(٦) يوسف:٩٠. وانظر: معجم القراءات القرآنية ٣/ ١٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>