للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه، فيصير توفير الصوت بمنزلة الحركة له. ألا ترى أنّك إذا قلت: "عَمْرْو" ووقفتَ عليه، وجدتَ للراء من التكرّر وتوفير الصوت ما ليس لها إذا وصلتها بغيره؟ وذلك أنّ تحريك الحرف يُقَلْقِله قبل التمام، ويجتذبه إلى جرس الحرف الذي منه حركتُه. ويؤيّد عندك ذلك أنّ حروف القَلْقلة، وهي القاف والجيم والطاء والباء والدال، لا يستطيع الوقوفُ عليها إلّا بصوت، وذلك لشدّة الحَفْل والضَّغْطِ، وذلك نحو: "الْحَقْ" و"اذهَبْ"، و"اخلِط"، و"اخْرُجْ"، ونحو الزاي والذال والظاء والصاد. فبعضُ العرب أشدُّ تصويتًا. فجميعُ هذه لا يستطيع الوقوفُ عليها إلّا بصوت، فمتى أدرجتَها وحرّكتَها، زال ذلك الصوت, لأنّ أَخْذك في صوت آخرَ وحرفٍ سوى المذكور يشغلك عن إتباعٍ الحرفَ الأوّل صوتًا، فبانَ لك بما ذكرتُه أنّ الحرف الموقوف عليه أتمُّ صوتًا، وأقوى جرسًا من المتحرّك، فسدَّ ذلك مسدّ الحركة، فجاز اجتماعُه مع ساكن قبله.

وقوله: "على غير حدّهما"، يريد أن يُوجَد شرطاهما. والشرطان المرعيّان في اجتماع ساكنين أن يكون الساكن الأوّل حرفَ مدّ ولين، والثاني مدّعْمًا كـ"دابّةٍ"، و"شابَّةٍ"، و"خُوَيْصَّةٍ" تصغيرِ "خاصّةٍ". قلبتَ الألف واوًا، وجئت بياء التصغير ساكنةً، وبعدها الصادُ مضاعفةً، و"تُمُودَّ الثَّوْبُ"، وهو بناءٌ لما لم يُسمّ فاعله من "تَمادَّ الزيدان الثوبَ". وذلك أنّ "فَاعَلَ" يكون من اثنين يفعل كلُّ واحد منهما بصاحبه مثلَ ما يفعل به الآخرُ، إلّا إنّك تُسْنِد الفعل إلى أحدهما كما أنّه له دون الآخر، وتنصب الآخرَ على أنّه مفعولٌ، وتُعرِّيه في اللفظ من الفاعليّة، وإن لم يَعْرَ من جهة المعنى، وذلك نحو: "ضاربتُ زيدًا"، و"قاتلتُ بكرًا". فإذا أدخلتَ تاء المطاوعة، أسندتَ الفعل إليهما على حكم الأصل، وصار الفعل من قبيل الأفعال اللازمة، نحو: "تضارب الزيدان"، و"تقاتل البكران". وهذا النوعُ هو الأكثرُ في الاستعمال، ويجوز أن يكون متعدّيًا إلى مفعول ثان غيرِ الذي يفعل بك مثلَ فَعْلك، نحو: "عاطيتُ بكرًا الكأسَ"، أي: أعطانى كأسًا وأعطيتُه مثلَها، و"فاوَضْتُه الحديثَ"، فيتعدّى إلى المفعولَيْن كما ترى. فإذا أدخلتَ تاء المطاوعة، أسندت الفعل إلى الفاعل والمفعول الأوّل, لأن الفعل لهما في الحقيقة، ويقي المفعول الثاني منصوبًا على حاله، لا حَظَّ له في الفاعليّة، نحو قولك: "تَعاطَينا الكأسَ"، و"تَفاوضنا الحديثَ". قال الشاعر [من الطويل]:

١٢٥٢ - ولمّا تَفاوَضْنَا الحَدِيثَ وأَسْفَرَتْ ... وُجُوهٌ زَهاها الحُسْنُ أن تَتَقَنَّعا


١٢٥٢ - التخريج: البيت لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص١٧٩؛ ولسان العرب ١٤/ ٣٦١، ٣٦٢ (زها).
اللغة والمعنى: تفاوضنا الحديث: توسّعنا فيه وتبادلناه. أسفرت: توضَّحت، برزت. زهاها: استخفّها، حملها على الإعجاب بنفسها.
وعندما تبادلنا الحديث وتوسعنا فيه، ظهرت الوجوه الحسنة من خلف حجابها.
الإعراب: "ولما": الواو: حرف استئناف، "لما": ظرف زمان متضمّن معنى الشرط مبني في محلّ نصب مفعول فيه متعلّق بجوابه. "تفاوضنا": فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بـ"نا" الدالة على الفاعلين،=

<<  <  ج: ص:  >  >>