للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا "ابْنُمٌ، فهو "ابنٌ" زيدت عليه الميمُ للمبالغة والتوكيد، كما زيدت في "زُرْقُمٍ" و"سُتْهُمٍ"، بمعنى الأَزْرَق والعظيمِ العَجيزةِ، أي: كبير الاسْتِ. قال الشاعر [من الطويل]:

١٢٥٦ - وهل لِيَ أُمٌّ غيرُها إنْ ذكرتُها ... أَبَى الله إلّا أنْ أكونَ لها ابْنَما

وليست الميم بدلاً من لام الكلمة على حدّها في "فَمٍ"؛ لأنّها لو كانت بدلاً من اللام، لكانت في حكم اللام، وكانت اللامُ كالثانية، وكان يَبْطل دخول همزة الوصل.

وأمّا "اثنان"، فأصله "ثِنْيان"؛ لأنّه من "ثَنَيْتُ". و"اثْنَتانِ" التاء فيه للتأنيث كـ"ابنتَيْن" و"ثِنْتان"كـ"بِنْتَيْن"، التاء فيه للإلحاق.

وأمّا "امْرُؤٌ" و"امْرَأَةٌ"، فإنّما أسكنوا أوّلَهما وإن كانا تامَّين غيرَ محذوفَيْن؛ لأنّك إذا دخلت الألفُ واللامُ، فقلتَ: "المَرْء" و"المَرْأَة"، وخفّفتَ الهمزة، حذفتَها، وألقيتَ حركتها على الراء، فقلت: "جاءني المَرُ" و"رأيت المَرَ"، و"مررت بالمَرِ". فلمّا كانت الراء قد تُحرَّك بحركة الإعراب، وكثُرَت هذه الكلمةُ في كلامهم حتى صارت عبارةً عن كلّ ذَكَر وأُنْثَى من الناس، أعلّوها لكثرة استعمالهم إيّاها، وشبّهوا الراء في "المرْءُ" و"المرْءَ" و"المرْءِ" بخاء "أخيك"، فأتبعوا عينَها حركةَ لامها، فقالوا: "هذا امْرُؤٌ"، و"رأيت امْرأً"، و"مررت بامْرِئٍ كما تقول: "هذا أخوك"، و"رأيت أخاك"، و"مررت بأخيك". وألفُه وألفُ "ابنم" مكسورةٌ على كلّ حال؛ لأنّ الضمّة فيه عارضةٌ للرفع غيرُ لازمة، وليست كالضمّة في "اقْتُلْ". فلمّا اعتلّ هذا الاسمُ بإتباع حركة عينه حركةَ لامه، وكثُر استعمالُه، أسكنوا أوّلَه، وأدخلوا عليه همزة الوصل على ما ذُكر.


١٢٥٦ - التخريج: البيت للمتلمس في ديوانه ص٣٠؛ والأصمعيات ص٢٤٥؛ وخزانة الأدب ١٠/ ٥٨، ٥٩؛ والمقاصد النحوية ٤/ ٥٦٨؛ والمقتضب ٢/ ٩٣؛ وبلا نسبة في الخصائص ٢/ ١٨٢؛ وسرّ صناعة الإعراب ١/ ١١٥؛ والمنصف ١/ ٥٨.
الإعراب: "وهل": "الواو: بحسب ما قبلها، و"هل": حرف استفهام. "لي": جار ومجرور متعلّقان بمحذوف خبر مقدّم. "أمّ": مبتدأ مؤخّر مرفوع. "غيرها": نعت "أمّ" مرفوع، وهو مضاف، و"ها": ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. "إنْ": حرف شرط جازم. "ذكرتها": فعل ماضٍ، والتاء: ضمير في محلّ رفع فاعل، و"ها": ضمير في محلّ نصب مفعول به، وهو فعل الشرط محله الجزم. "أبى": فعل ماضٍ. "الله": فاعل مرفوع. "إلّا": حرف حصر واستثناء. "أن": حرف مصدري ناصب. "أكون": فعل مضارع ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: "أنا". "لها": جار ومجرور متعلّقان بصفة لـ "ابنما". "ابنما": خبر "أكون" منصوب، والميم للمبالغة.
وجملة "هل لي أم ... ": بحسب الفاء. وجملة "إن ذكرتها ... ": حالية محلها النصب. وجملة "ذكرتها": جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها من الإعراب. وجملة "أبى الله": استئنافية لا محلّ لها من الإعراب. والمصدر المؤول في محلّ نصب مفعول به لـ"أبى".
والشاهد فيه قوله: قوله: "ابنما" حيث زيدت الميم للمبالغة، فإنّ أصلها: "ابنا".

<<  <  ج: ص:  >  >>