يُخْبَر عنه بالمكان والزمان. والعِلّة في ذلك أنّ الجثّة قد تكون في مكان دون مكان، فإذا أخبرتَ باستقرارها في بعضِ الأمكِنة يثبت اختصاصها بذلك المكان مع جواز أن تكون في غيره. وكذلك الحدثُ يقع في مكان دون كان؛ مثالُ ذلك قولك:"زيدٌ خَلْفَك" فـ "خلفك" خبرٌ عن "زيدٌ"، وهو مكانٌ معلومٌ بجوازِ أن يخلو منه "زيدٌ" بأن يكون أمامك، أو يَمِينَك، أو في جهةٍ أخرى غيرهما. فإذا خصّصتَه بـ "خَلْفَك" استفاد المخاطَبُ ما لم يكن عنده. وكذلك "القتالُ أمامَك" يجوز أن يقع في مكان غير ذلك؛ وأمّا ظرف الزمان، فإذا أخبرتَ به عن الحَدَث أفاد, لأنّ الأحداث ليست أُمورًا ثابتةً موجودة في كلّ الأحيان؛ بل هي أعراضٌ منقضيةً تحدُث في وقت دون وقت. فإذا قلت:"القِتالُ اليومَ"، و"الخروج بعدَ غدٍ" استفاد المخاطَبُ ما لم يكن عنده لجوازِ أن يخلو ذلك الوقتُ من ذلك الحدث؛ وأما الجُثَثُ فأشخاصٌ ثابتةٌ موجودةٌ في الأحيان كلها, لا اختصاص لحُلولها بزمان دون زمان، إذ كانت موجودة في جميع الأزمنة، فإذا أخبرتَ، وقلت:"زيدٌ اليومَ"،أو"عمرٌو الساعة"، لم تُفِدِ المخاطَبَ شيئًا ليس عنده؛ لأنّ التقدير: زيدٌ حالٌّ، أو مستقرٌّ في اليوم، وذلك معلومٌ, لأنّه لا يخلو أحدٌ من أهلِ عصرك من اليوم، إذ كان الزمانُ لا يتضمّن واحدًا دون واحد، فإن قيل: فأنت تقول: "الليلة الهِلالُ"، والهلالُ جثّةٌ، فكيف جاز هاهنا ولم يجز فيما تقدّم؟ فالجوابُ: أنّه إنّما جاز في مثلِ "الليلة الهلالُ" على تقدير حذف المضاف، والتقديرُ: الليلة حُدوثُ الهلال، أو طُلوعُ الهلالِ، فحُذف المضاف وأُقيم المضاف إليه مقامه لدلالةِ قَرينةِ الحال عليه، لأئك إنما تقول ذلك عند توقُّعِ طُلوعه، فلو قلت:"الشمسُ اليومَ"، أو"القمرُ الليلةَ"، لم يجز إلَّا أن يكونا متوقَّعين، وكذلك لو قلت:"اليومَ زيدٌ" لمن يتوقَع وُصولَه وحُضورَه، جاز.
واعلم أنّ الخبر إذا وقع ظرفًا أو جارًّا ومجرورًا، نحو:"زيدٌ في الدار" و"عمرٌو عندك"، ليس الظرفُ بالخبر على الحقيقة, لأن "الدار" ليست من "زيد" في شيء، وإنمّا الظرفُ معمولٌ للخبر ونائبٌ عنه، والتقديرُ: زيدٌ استقرّ عندك، أو حَدَثَ، أو وَقَعَ، ونحو ذلك، فهذه هي الأخبار في الحقيقة بلا خِلاف بين البصريين، وإنّما حذفتَها، وأقمتَ الظرفَ مقامَها إيجازا لِما في الظرف من الدلالة عليها، إِذ المرادُ بالاستقرار استقرارٌ مُطْلَقٌ، لا استقرارٌ خاصٌّ على ما تقدّم بيانُه، فلو أردت بقولك:"زيدٌ عندك" أنّه جالسٌ، أو قائمٌ, لم يجز الحذفُ, لأن الظرف لا يدلّ عليه, لأنّه ليس من ضرورة كونه في الدار أن يكون جالسًا أو قاعدًا.
واعلم أن أصحابنا قد اختلفوا في ذلك المحذوف: هل هو اسمٌ، أو فعلٌ، فذهب الأكثر إلى أنّه فعلٌ، وأنّه من حَيِّز الجُمَل، وتقديره: زيدٌ استقرّ في الدار، أو حلَّ في الدار، ويدلّ على ذلك أمران: أحدهما جَوازُ وُقوعه صِلةٌ، نحو قولك:"الذي في الدار زيدٌ"، والصلةُ لا تكون إلَّا جملة، فإن قيل: التقديرُ: الذي هو مستقرٌّ في الدار كما قال: