ما شذّ من "فَضِلَ يفضُل" و"مَتَّ يَمُتّ"، والعملُ إنّما هو على الأكثر.
ولا يكون "فَعُلَ" بالضمّ لوجهَين:
أحدهما: أن "فَعُلَ" لا يكون متعدّيًا، والوجهُ الثاني: أنّه لو كان "فَعُلَ" بالضمّ، لجاء الاسمُ منه على "فَعِيل"، كما قالوا في "ظَرُفَ": "ظَرِيفَ"، وفي "شَرُفَ": "شَرِيفٌ"، فلمّا لم يُقَل ذلك، بل قيل. "قائمٌ" و"عائدٌ"، دلّ أنّه "فَعَلَ" دون "فَعُلَ".
وأمّا الثاني، وهو "فَعِلَ"، فإنّه يأتي متعدّيًا، وغيرَ متعدّ، فالمتعدّي نحو:"خَافَ"، كقولك:"خِفْتُ زيدًا"، وغيرُ المتعدّي نحو:"راحَ يومُنا يَراحُ"، و"مالَ زيدٌ" إذا صار ذا مال. والذي يدل أنه من الواو ظهورُ الواو في قولهم:"الخَوْف"، و"أَمْوال"، ويدلّ أنّه "فَعِلَ" كونُ مضارعه على "يَفْعَلُ"، نحو:"يَخافُ"، و"يَمالُ"، وقولُهم:"رجلٌ مالٌ" , و"يَوْمٌ راحٌ"، كما قالوا:"حَذِرَ فهو حَذرٌ"، و"فَرِقَ فهو فَرِقٌ".
وأمّا الثالث، وهو"فَعُلَ"، فنحو:"طالَ يَطُولُ" إذا أردتَ خلافَ القصير، وهو غير متعدّ كما أن "قَصُرَ" كذلك. وهذا في المعتل نظيرُ "ظَرُفَ" في الصحيح، ألا ترى أنهم قالوا في الاسم منه:"طويلٌ" كما قالوا: "ظَرُفَ، فهو ظَرِيفٌ"؟
فإن كانت العين ياءً، فيجيء على ضربين:"فَعَلَ"، و"فَعِلَ"؛ فالأوّلُ منه يكون متعدّيًا، وغير متعدّ، فالمتعدّي نحو:"عابَه"، و"باعَه"، وغيرُ المتعدي نحو:"عالَ"، و"صارَ". والذي يدل أنّه "فَعَلَ" بالفتح أنه لو كان "فَعِلَ"، لجاء مضارعُه على "يفعَل" بالفتح، فلمّا قالوا فيه:"يَبِيعُ"، و"يَعِيبُ"، و"يَصِيرُ"، دلّ على أنّ ماضيه "فَعَلَ" بالفتح.
فإن قيل: فهلاّ قلتم: إنّه "فَعِلَ" بالكسر، ويكون من قبيل "حَسِبَ يَحْسِبُ"، فالجوابُ أنّ الباب في "فَعِلَ" بالكسر أن يأتي مضارعه على "يفعَل" بالفتح، هذا هو القياس؛ وأمّا "حَسِبَ يَحْسِبُ" فهو قليل شاذّ، والعملُ إنّما هو على أكثر مع أن جميعَ ما جاء من "فَعِلَ يفعِل" بالكسر جاء فيه الأمران "حَسِبَ يحسِب ويحسَب"، و"نَعِمَ ينعِم وينعَم"، و"يَئِسَ ييأَس وييئِس". فلمّا اقتصروا في مضارعِ هذا على "يفعِل" بالكسر دون الفتح، دلّ أنّه ليس منه.
وأمّا الضرب الثاني ممّا عينُه ياء - وهو "فَعِلَ" بكسر العين - فيكون متعدّيًا وغير متعدّ، فالمتعدّى نحو:"هِبْتُه"، و"نِلْتُه"، وغيرُ المتعدّي نحو:"زال"، و"حار طَرْفُه". فهذه الأفعال عينُها ياء، ووزنها "فَعِلَ" مكسورَ العين. والذي يدلّ على ذلك قولُهم في المصدر:"الهَيبة"، و"النَّيْل"، فظهورُ الياء دليل على ما قلناه. وقالوا:"زَيَّلْتُه، فزال، وزايلتُه" فظهرت الياء فيه، وأصله أن يكون لازمًا، وإنّما يتعدّى بالتضعيف، وإنّما نُقل إلى حيز الأفعال التي لا تستغني بفاعلٍ، نحو:"كَانَ". ويدل أنها "فَعِلَ" بكسر العين قولُهم في المضارع: "يفعَل" بالفتح نحو: "يَهاب"، و"يَنالُ"، و"لا يَزالُ"، و"يَحارُ طَرْفُه".