للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يأت من هذا "فَعُلَ" بالضمّ، كأنّهم رفضوا هذا البناء في هذا الباب لِما يلزم من قلب الياء واوًا في المضارع، كما رفضوا "يفعِل" بالكسر من ذوات الواو، لِما يلزم فيه من قلب الواو ياء.

فهذه الأفعالُ كلها معتلّة تُقلب الواو والياء فيها ألفين، وذلك لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها، وكذلك ما كان من الأسماء من نحو: "باب"، و"دارٍ"، و"نابٍ"، و"عابٍ"، والأصلُ: بَوَبٌ، ودَوَرٌ، لقولك: "أَبْوابٌ" في التكسير، و"دُورٌ". والأصلُ في "نابٌ": "نَيَبٌ"، وفي "عابٌ": "عَيَبٌ"؛ لقولك: "أَنْيابٌ"، و"عِيَبٌ". ومن ذلك "رجلٌ مالٌ" من قولهم: "مالَ يَمالُ"، إذا صار ذا مالٍ، والأصل: "مَوِلَ يَمْوَلُ"، فهو"مَوِلٌ" مثلُ: "حَذِرَ يَحْذَرُ" فهو "حَذِرٌ"، وقالوا: "رجل هاعٌ لاع" أي: جَبان، وهو من الياء لقولهم: "هاعَ يَهِيعُ هُيُوعًا" إذا جَبُنَ، وقالوا: "لاعَ يِلِيعُ" إذا جبن أيضًا. وحكى ابن السِكّيت: "لِعْتُ أَلاعُ"، و"هِعْتُ أهاعً"، فعلى هذا يكون "هاعٌ" "لاعٌ" فَعِلًا مثلَ "حَذِرٍ"، لا فَرْقَ في ذلك بين الأسماء والأفعال في وجوب الإعلال، إذ المتقضِي له موجود فيهما، وهو تحرُّك حرف العلّة وانفتاحُ ما قبله. وليست الأفعال أوْلى بذلك من الأسماء، وإن كان الإعلال أقوى في الأفعال من الأسماء؛ لأنّ الأفعال موضوعة للتنقل في الأزمنة والتصرّف، والأسماء سِماتٌ على المسمّيات، وكذلك كان عامّةُ ما شذّ من ذلك في الأسماء دون الأفعال، نحو: "الخَوَنة"، و"الحَوَكَة"، و"القَوَد"، ولم يشذّ من ذلك شىء في الأفعال من نحو: "قامَ"، و"باعَ".

فأما نحو: "اسْتَحْوَذَ"، و"اسْتَنْوَقَ"، فلضُعْف الإعلال فيه إذ كان محمولًا على غيره، ألا ترى أنّه لولا إعلالُ "قامَ" ما لزم إعلالُ "أَقامَ"، وكذلك مضارعُ هذه الأفعال كلُّه معتل، نحو: "يَقُول"، و"يَعُود"، والأصل: "يَقْوُل"، و"يَعْوُد"، بضمّ العين؛ لأنّ ما كان من الأفعال على "فَعَلَ" بفتح العين معتلَّة، فمضارعُه يفْعُل، نحو: "يَقتُل"، ولا يجيء على "يَفْعِل" على ما عليه الصحيحُ؛ لئلا ترجع ذواتُ الواو إلى الياء، فنقلوا الضمّة من الواو في "يقول" إلى القاف.

وإنّما فعلوا ذلك مع سكون ما قبل الواو فيه؛ لأنّهم أرادوا إعلاله حملًا على الفعل الماضي في "قالَ"، و"عادَ"؛ لأنّ الأفعال كلها جنسٌ واحدٌ، والذي يدل أن الإعلال يسري إلى هذه الأفعال من الماضي أنّه إذا صحّ الماضي صحّ المضارعُ، ألا ترى أنّهم لمّا قالوا: "عَوِرَ"، و"حَوِلَ"، فصحّحوهما، قالوا: "يَعْوَر"، و"يَحْوَل"، و"عاوِرٌ"، و"حاوِلٌ"، فصحّحوا هذه الأمثلةَ لصحّة الماضي؟

وكما أعلّوا المضارعَ لاعتلال الماضي أعلّوا الماضي أيضًا لاعتلال المضارع، ألا تراهم قالوا: "أَغْزَيتُ"، و"أَدْعَيْتُ"، و"أَعطَيْتُ"؟ وأصلها الواو؛ لأنّها من"غَزَا يَغزُو"،

<<  <  ج: ص:  >  >>