للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقياسُ الإعلالُ عندهما، وكان أبو العبّاس المبرّد لا يجعله شاذًّا، ويقول: إِنّ "مَفْعَلًا" إنّما يعتلّ إذا أريد به الزمان والمكان أو المصدر؛ وأمّا إذا أريد به الاسم، فإنّه يصحّ، فعلى هذا تقول: "مَقْوَل" إذا أريد به الاسم لا ما ذكرنا من الزمان والمكان.

وكذلك لو بنيتَ نحو: "مُفْعَل"، بضمّ الميم، لأعللته أيضًا، وقلت: "مُقامٌ" و"مُعادٌ"، كما تقول في الفعل: "يُقال"، و"يُعاد". وكذلك "مَفْعَلَةُ", نحو: "مَقالَةٍ", و"مَفازَةٍ".

ومن ذلك "مَفْعِلٌ" بكسر العين، نحو: "مَسِيرٍ", و"مَصيرٍ", مصادر "سار"، و"صار". يقال: "بارَكَ الله لك في مَسِيرك ومَصِيرك".

ومن ذلك "مَفْعُلَةُ" من "عِشْتُ"، أو "بِعْتُ"، وما كان نحوهما، فإن لفظها كلفظ "مَفْعِلَة" بالكسر عند الخليل وسيبويه (١)، فـ "معيشةٌ" عندهما يجوز أن يكون "مَفْعُلة" بالضمّ و"مَفْعِلة" بالكسر، فإذا أريد "مَفعُلة"، فالأصل: "مَعْيُشَةٌ" بضمّ الياء، فلمّا أريد إعلالُه حملًا على الفعل لِما ذكرناه، نقلوا الضمّة إلى العين، فانضمّت، وبعدها الياء، وأبدلوا من الضمّة كسرة لتصحّ الياء، لصار "مَعِيشَةً". وإذا أريد "مَفْعِلة" بالكسر، فإنّما نُقِلتِ الكسرة إلى العين، فاستوى لفظُهما لذلك.

وكان أبو الحسن يخالفهما في ذلك، ويقول في "مَفْعُلة" من "العَيْش": "مَعُوشَةٌ"، وفي مثال "فُعْلٍ" منه "عُوش"، وكان يقول في "بِيضٍ": إنّه "فُعْلٌ" مضمومَ الفاء. وإنّما أبدل من الضمّة كسرة، لأنّه جمعٌ، والجْمعُ ليس على مذهب الواحد لثِقَل الجمع، وخالَفَ هذا الأصلَ في "مَكِيل"، و"مَبِيع"، وقد تقدّم الكلام عليه في مواضعَ من هذا الكتاب.

ومن ذلك "المَشُورَة" بضمّ الشين، وهو"مَفْعُلَةُ" من قولك: "شاوَرتُه في الأمر"، فأعلّوه بنقل الضمّة من العين إلى الفاء، وكان من ذوات الواو، فسلمت الواوُ، ومثلُه: "مَثُوبة"، و"مَعُونة". ولو كان من ذوات الياء، لأبدل من الضمة كسرة لتسلم الياء، وكنت تقول: "مَسِيرة" كـ" مَعِيشة".

ومن ذلك "أَقامَ"، و"استقام"، وما كان نحو ذلك من ذوات الزيادة، والأصلُ: "أَقوَمَ"، و"اسْتَقْوَمَ"، فنقلوا الفتحة من الواو إلى القاف لما ذكرناه من إرادة الإعلال، لاعتلال الأفعال المجرّدة من الزيادة، وهو "قَامَ"، فالإعلالُ فيه إنما هو بنقل الحركة، والانقلابُ لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها.

وأمّا "قاوَلْتُ"، و"قَوَّلْتُ"، و"تَقاوَلَ"، و"تَقَوَّلَ"، فإن هذه الأفعال تصح ولا تعتلّ.


(١) الكتاب ٤/ ٣٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>