للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الثالث: أن الحرف إنّما يعمل إذا اختصّ بالمعمول، نحوَ حروفِ الجرّ، فإنّها مختصّةٌ بالأسماء، ونحوَ حروف الجزم اختصّت بالدخول على الأفعال و"لَوْلَا" هذه غيرُ مختصّة، بل تدخل على الأسماء، نحوَ: "لولا زيدٌ لأكرمتُك"، وتدخل على الأفعال في نحوِ ما أنشدناه من البيتَيْن، فاعرفه.

* * *

قال: "ومن ذلك قولهم: أقائمٌ الزيدان" يعني أنّه حُذف الخبر لِسَدّ لفاعل مَسَدَّه، واعلمْ أن قولهم: "أقائمٌ الزيدان" إنّما أفاد نَظرًا إلى المعنى، إذ المعنى: أيقوم الزيدان؟ فتَمَّ الكلامُ, لأنّه فعلٌ وفاعلٌ، و"قائمٌ" هنا اسمٌ من جهةِ اللفظ وفعلٌ من جهةِ المعنى، فلمّا كان الكلام تامًّا من جهة المعنى، أرادوا إصلاحَ اللفظ، فقالوا: "أقائمٌ" مبتدأٌ و"الزيدان" مرتفعٌ به، وقد سد مسدَّ الخبر من حيثُ إن الكلام تَمَّ به، ولم يكن ثَمَّ خبرٌ محذوفٌ على الحقيقة. ولو قلت: "قائم الزيدان" من غيرِ استفهام، لم يجز عند الأكثر، وقد أجازه ابنُ السرَّاج، وهو مذهبُ سيبويه لتضمُّنه معنَى الفعل، وإن كان فيه قُبْحٌ, لأنّ اسم الفاعل لا يعمل عملَ الفعل حتّى يعتمد على كلام قبله من مبتدأ، نحوِ: "زيدٌ ضاربٌ أبوه"، أو موصوفٍ، نحوِ: "مررتُ برجلٍ ضارب أبوه"، أو ذي حالٍ، نحوِ: "هذا زيدٌ ضاربًا أبوه"، أو على استفهام، أو نفي بخِلافِ الفعل، فإنّه يعمل معتمِدًا وغيرَ معتمد، وسنذكُر أحكامَه مستقصّى في فصلِ اسم الفاعل.

وأمّا قولهم: "ضَرْبِي زيدًا قائمًا"، فهي مسألة فيها أدْنَى إشكال يحتاج إلى كَشْف، وذلك أن المعنى: ضربتُ زيدًا قائمًا، أو أضْربُ زيدًا قائمًا، فالكلامُ تامُّ باعتبارِ المعنى، إلَّا أنّه لا بدّ مني النَّظَر في اللفظ، وإصلاحِه لكونِ المبتدأ فيه بلا خبر، وذلك أنّ قولك: "ضَرْبِي"، مبتدأٌ، وهو مصدر مضافٌ إلى الفاعل، و"زيدًا" مفعول به و"قائمًا" حالٌ، وقد سدّ مسدَّ خبرِ المبتدأ، ولا يصِحّ أن يكون خبرًا فيرتفعَ, لأنّ الخبر إذا كان مفردًا يكون هو الأوّلَ، والمصدرُ الذي هو الضربُ ليسَ القائمَ، ولا يصحّ أن يكون حالًا من "زيد" هذا؛ لأنه لو كان حالًا منه، لَكان العاملُ فيه المصدرَ الذي هو ضربي؛ لأن العامل في الحال والعاملُ في ذي الحال. ولو كان المصدرُ عاملًا فيه، لكان من صلته، وإذا كان من صلته، لم يصِحّ أن يسدّ مسدَّ الخبر, لأنّ السادَّ مسدَّ الخبر يكون حكمُه حكمَ الخبر، فكما أنّ الخبر كان جزءًا غيرَ الأوّل، فكذلك ما سدّ مسدَّه ينبغي أن يكون غيرَ الأولّ. وإذا كان الأمرُ كذلك، كان العاملُ فيه فعلًا مقدَّرًا فيه ضميرُ فاعل، يعود إلى زيد، وهو صاحبُ الحال، والخبرُ ظرفُ زمان مقدَّرٌ مضافٌ إلى ذلك الفعل والفاعلِ، والتقديرُ: ضَرْبِي زيدًا إذا كان قائمًا، فـ "إذًا" هي الخبرُ. والحَقُّ أنّها في موضع نصب متعلقةٌ باستقرار محذوف تقديرُه: استقرّ أو مستقرٌّ، ثُمَّ حُذف العامل لدلالةِ الظرف عليَه على ما تقدّم، ونُقل الضمير من الفعل إلى الظرفُ وصار الظرف. وما ارتفع به في موضع

<<  <  ج: ص:  >  >>