للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي النافرة. عدلوا إلى التخفيف بالإسكان كما عدلوا إلى التماس التخفيف بقَلْبهم الواوَ المضمومةَ همزةً. قال سيبويه (١): وألزموا هذا الإسكانَ إذ كانوا يُسكنون عين الصحيح من نحو: "رُسُلٍ"، و"عَضُدٍ" لثقل الضمّة عليها، يريد أنّهم حملوا تخفيفَهم "نُورًا"، و"غونًا" على تخفيفهم في الصحيح.

وإذا كان ذلك جائزًا مع غير المعتلّ الذي لا يثقل عليه الحركاتُ، كان مع الواو لازمًا. وقد جاء على الأصل في الشعر. قال عَدِيُّ بن زيد [من الكامل]:

عن مُبرِقاتٍ بالبُرِينَ فيَبْـ ... ـدو بالأَكُفِّ اللامِعاتِ سُوُرْ (٢)

يُعنّف نفسَه على الوَلوع بالنساء بعد المَشِيب والكِبَر، وقبله:

قد حَان لو صحوت أَنْ تقصرا ... وقد أتى لما عَهِدْتَّ عُصُرْ

الشاهد فيه تحريك الواو من "سُوُرٍ" بالضم، وهو جمعُ "سِوارٍ". والمعنى: قد حان أنّ تقصر عن طِلْبةِ مُبْرِقات بالبرين. والمُبْرِقاتُ من النساء التي تُظْهِر حَلْيَها لينظرَ إليها الرجلُ، فيميلوا إليها. والبُرُون: الخَلاخِلُ، وأصله البُرَةُ في أنف البعير، وهي حَلْقةٌ من صُفْرٍ، وكلُّ حلقة من سِوار وقُرْط وخَلْخال وما أشبهها فهي بُرَةٌ. والمراد بالأكفّ اللامعات أي أَذْرُعُ الأكفّ, لأنّ السوار لا يكون إلّا في الذراع، لا في الكفّ. وقال الآخر - أنشده أبو زيد عن الخليل [من المتقارب]:

١٣٣٨ - اغَرُّ الثنايَا أَحَمُّ اللِّثاتِ ... يُحسِّنُه سُوُكُ الإِسْحِلِ

واستعمالُ الأصل الذي هو الضمّ ههنا من ضرورات الشعر عند سيبويه (٣)، وهو


(١) الكتاب ٤/ ٣٥٩.
(٢) تقدم بالرقم ٧٤٣.
١٣٣٨ - التخريج: البيت لعبد الرحمن بن حسان في ديوانه ص ٤٨؛ ولسان العرب ١٠/ ٤٤٦ (سوك)؛ وبلا نسبة في لسان العرب ١١/ ٥٧٣ (قول)؛ والمقاصد النحويَّة ٤/ ٥٣٠؛ والمقتضب ١/ ١١٣؛ والممتع في التصريف ٢/ ٤٦٧؛ والمنصف ١/ ٣٣٨.
اللغة: أغرّ: أبيض. النايا: ج التثنيّة، وهي الأسنان في مقدّمة الفم. الأحمّ: اللون بين الأسود والأحمر. اللثات: ج اللثّة، وهي ما حول الأسنان من لحم. السوك: ج السواك وهو ما ينظف به الأسنان. الإسحل: شجر يتّخذ منه المساويك.
الإعراب: "أغرّ": خبر مبتدأ محذوف تقديره: "هو"، وهو مضاف. "الثنايا": مضاف إليه مجرور. "أحمّ": خبر ثانٍ تقديره: "هو،، وهو مضاف. "اللثات": مضاف إليه مجرور. "يحسّنه": فعل مضارع مرفوع، والهاء: ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. "سوك": فاعل مرفوع، وهو مضاف. "الإسحل": مضاف إليه مجرور.
وجملة "هو أغر ... " ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "يحسّنها": في محلّ جرّ صفة لِـ "اللثات".
والشاهد فيه قوله: "سوك الإسحل" حيث ضمّت الواو ومن حقّها السكون على وزن "فُعْل"، وذلك للضرورة.
(٣) الكتاب ٤/ ٢٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>