للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان أبو العبّاس محمّد بن يزيد المبرّد لا يجعل ذلك من الشاذّ, لأنّه كان لا يُعِلّ إلّا ما كان مصدرًا جاريًا على الفعل، أو اسمًا لأزمنة الفعل، والأمكنةِ الدالّةِ على الفعل؛ فأمّا ما صيغ منها اسمًا لا تريد به مكانًا من الفعل، ولا زمانًا, ولا مصدرًا كـ"مَكْوَزَة"، و"مَزْيَد"، و"مَقْوَدَة"، وجميع ما كان من ذلك، فإنّك تُخْرِجه على الأصل لبُعْده من الفعل، ولو كان "مَرْيَم" مصدرًا، لقلت: "رُمْتُه مَرامًا" و"هذا مَرامُك"، إذا أردت الموضعَ الذي تَرُوم. والوجهُ الأوّل لأنّهم قد أعلّوا نحو: "بابٍ"، و"دارٍ"، فلا عُلْقةَ بينه وبين الفعل.

وقالوا: "مِقْوَلٌ"، و"مَخيَطٌ"، و"مِخوَلٌ" فلم يُعِلّوه، لأنّه منقوص من "مِقْوالٍ"، و"مِخياطٍ"، و"مِخوالٍ"، فكما لا تُعِلّه في الأصل لوقوع الألف بعد حرف العلّة التي هي العين كذلك لم يعلّوا "مِقْوَلًا"، و"مِخْيَطًا", لأنّهما في معناه. ونظيرُ ذلك قولهم: "عَوِرَ"، و"حَوِلَ"، و"اجْتَوَرُوا"، إذ كان في معنى "اعْوَرَّ"، و"احْوَلَّ"، و"تَجاوروا".

وأمّا الثاني، وهو ما خالف الفعلَ في البناء والمثالِ، نحو بنائك على مثال

"تِحْلِيٍ"، وهو ما يُفْسده السكّين من الجِلْد عند القشر من قولك: "بَاعَ"، فإنّك تقول: "تِبِيعٌ" بالإعلال، وهو أنّك تنقل الكسرةَ إلى الباء, لأنّ "تِفْعِلًا" بكسر التاء ليس في أمثلة الفعل، وقيل: إنّ نحو: "مِقْوَلٍ"، و"مِخيَطٍ" إنّما صحّ لأنّه ليس من أبنية الفعل، فهو مخالفٌ للأفعال في البنية، فكان حكمهما حكمَ "تِحْلِىءٍ".

فأمّا ما كان مُماثِلًا للفعل بالزيادة في أوّله، فإن كانت الزيادة في أوّله زيادةً الفعل، والبناء كبناء الفعل، فإنّ ذلك الاسم يُصحَّح، ولا يُعَلّ. وذلك لو بنيت من "القَوْل" و"البَيْع" مثلَ "يَفْعَلُ". بفتح العين، نحوَ: "يَعْلَمُ"، أو "يَفْعُلُ" بالضمّ، نحو: "يَقتُلُ"، أو "يَفعِلُ" بالكسر، نحوَ: "يَضْرِبُ"، لكنت تقول: "يَقوَلُ"، و"يَقوُلُ"، و"يَقْوِلُ"، و"يَبْيَعُ"، و"يَبيُعُ"، و"يَبْيعُ" من غير إعلال. وذلك من قِبَل أنّ الزوائد زوائد الأفعال، والبناء بناء الأفعال، فلو أعلّوه كإعلال الفعل، لم يُعْلَم أاسمٌ هو أم فعلٌ، فصحّحوه فَرْقًا بينه وبين الفعل.

فإن قيل فأنتم تقولون: "بابٌ" و"دارٌ"، فتُعِلّون هذه الأسماء، وإن كانت على وزن الفعل، ولا تُبالون التباسَها بالفعل، قيل: إنّما أُعلّ "بابٌ" و"دارٌ"، ولم يصحّ للفرق بينه وبين الفعل, لأنه ثلاثيٌّ منصرفٌ، والتوينُ يدخله، ففرق التنوينُ بينه وبين الفعل وغيرُه من ذوات الأربعة بالزيادة في أوّله إذا سُمّي به يُفارِقه التنوينُ, لأنّه يمتنع من الصرف، فيُشْبِه الفعلَ، فصحّح للفرق، فـ "بابٌ" و"دارٌ" التنوينُ لازمٌ له معرفةً ونكرةً، وليس كذلك "يَفْعَلُ" إذا سمّيتَ به رجلًا، فإنك لو أعللتَه، ثمّ سمّيتَ به، وجعلتَه عَلَمًا، لَزال التنوينُ والجرُّ، فكان يُشبِه الفعلَ بالإعلال وسقوطِ التنوين والجرّ، فلذلك وجب تصحيحُ "يَفْعَلُ" اسمًا مِن "قَامَ" ونحوه، فاعرفه.

<<  <  ج: ص:  >  >>