للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَوْنِ الأمير" لأنّ "مَا" مع الفعل بتأويلِ المصدر، نحو قول الشاعر [من الوافر]:

١٣٧ - يَسُرُّ المَرْءَ ما ذَهَبَ الليالِي ... [وكان ذهابُهن له ذهابا]

وكذلك مَا يَكُونُ بمعنَى الكون، والمرادُ بكونه وجودُه، والتقديرُ: أخْطَبُ وجودِ الأمير إذا كان قائمًا، جُعل وجودُه خطيبًا مبالغة، ويكون "إذَا" الخبرَ، وهو في موضع نصبٍ بالاستقرار على ما تقدَّم، يدلّ على ذلك أنّه قد حُكي عن بعضِ العرب: "أخطبُ ما يكون الأميرُ يومَ الجمعة" بنصبِ "يوم"، فدلّ ذلك على أنّ "إذا" في موضعِ نصب، كما تقول: "زيد عندك" وفيه ضميرٌ، والظرفُ والضميرُ في موضعِ رفع لأنّه الخبرُ.

الوجه الثاني أن يكون قولُه: "أخطب ما يكون" بمعنى الزمان، لأن "مَا" تكون بمعنى الزمان، لأنّها في تأويل المصدر، والمصدرُ يُستعار للزمان على تقديرِ حذفِ مضاف، كأئه قال: "أخطبُ أوْقاتِ كونِ الأميرِ كما يُقال: "مَقْدَمَ الحاجّ"، و"خُفُوقَ النجْم أي: زمنَ مقدمِ الحاج، وزمنَ خفوقِ النجم. ويكون الخبرُ "إذا كان قائمًا" على ما تقدّم، إلَّا أن "إذَا" على هذا في موضع رفع خبرًا عن الأوّل، كما تقول: "وقتُ القِتال يومُ الجُمْعة". فكأنّه قال: "أخطبُ الأوْقات الَتي يكون الأميرُ فيها خطيبًا إذا كان قائمًا"، ومثلُه على سَعَةِ الكلامِ {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} (١)، وهما لا يمكُران، لكنْ لمّا كان فيهما جَعَلَه لهما، ومثله {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} (٢) والنهارُ لا يُبْصِر إنّما


١٣٧ - التخريج: البيت بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣/ ٣٧؛ والجنى الداني ص ٣٣١؛ والدرر ١/ ٢٥٣؛ وشرح التصريح ١/ ٢٦٨؛ وهمع الهوامع ١/ ٨١.
اللغة: ما ذهب الليالي: أي توالي الليالي، مرورها.
المعنى: يقول: يفرح المرء بمرور الأيام، وهو لا يعلم أنّ في مرورها انتزاعًا لأيّام حياته، ومن ثَم اقترابًا لدنوّ أجله.
الأعراب: "يسرّ": فعل مضارع مرفوع بالضمّة الظاهرة. "المرء": مفعول به منصوب بالفتحة. "ما": حرف مصدريّ. "ذهب": فعل ماضٍ مبنيّ على الفتح، والمصدر المؤول من "ما" وما بعدها في محلّ رفع فاعل "يسرّ". "الليالي": فاعل "ذهب" مرفوع بالضمّة المقدّرة على الياء للثقل. "وكان": الواو: حرف استئناف، و"كان": فعل ماضٍ ناقص. "ذهابهنّ": اسم "كان" مرفوع بالضمّة، وهو مضاف: و"هنّ": ضمير متّصل مبنيّ في محل جرّ بالإضافة. "له": اللّام: حرف جر، والهاء ضمير متصل مبني في محلّ جر بحرف الجرّ. والجار والمجرور متعلّقان بـ "ذهابا". "ذهابا": خبر "كان" منصوب بالفتحة.
وجملة "يسرّ": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "كان ذهابهن ... " استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "ما" حيث اعتبرت حرفًا تسبك مع ما بعدها بمصدر. وزعم الأخفش وابن السّراج أن "ما" هنا اسم موصول.
(١) سبأ: ٣٣.
(٢) النمل: ٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>