للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقبل الواو ضمّةٌ، فتصيران كالألف لسكونهما، وكونِ ما قبل كلّ واحدة منهما حركةً من جنسهما، كما أنّ الألف كذلك، فهي ساكنة، وقبلها فتحةٌ، والفتحةُ من جنس الألف، فإذا سكن ما قبلهما، خرجتا من شَبَه الألف, لأنّ الألف لا يكون ما قبلها إلّا مفتوحًا، فلذلك يقولون: "ظَبْيٌ"، و"عزْوٌ". ومثلُ ذلك "عَدُوٌّ"، و"عَدِيٌّ" من جهةِ أنّ الحرف المشدّد أبدًا حرفان من جنس واحد، الأوَّلُ منهما ساكنٌ، فالواو الأولى والياء الأولى ساكنتان فيهما بمنزلة الباء من "ظَبْيٍ" والحاء من "نَحْيٍ".

وكذلك "واوٌ"، و"زايٌ" و"آيٌ" الواو والياء في هذه الكِلَم صحيحةٌ غيرُ معتلّة, لأنّ الواو والياء إذا وقعتا طرفًا، فإنّهما لا تعتلاّن إلّا إذا وقعتا بعد ألف زائدة، نحو: "كِساءٍ"، و"رِداءٍ"؛ فأمّا إذا وقعتا بعد ألف منقلبة عن حرف أصلي، فإنّهما لا تعتلاّن، لئلّا يتوالى في الكلمة إعلالان: إعلالُ العين واللامِ.

فأمّا الألف في "وَاوٍ"، فذهب أبو الحسن إلى أنّها منقلبة من واو. واستدلّ على ذلك بتفخيم العرب إيّاها، وأنه لم يُسمع فيها الإمالةُ، فقضي لذلك أنّها من الواو، وجعل حروفَ الكلمة كلها واواتٍ. وذهب غيره إلى أنّ الألف فيها منقلبة من ياء، واحتجّ بأنّه إن جعلها من الواو، كانت الفاء والعين والسلام كلُّها لفظًا واحدًا. قال: وهذا غيرُ موجود، فعدل إلى القضاء بأنّها من ياء.

والوجهُ الأوّل، وذلك أنّ انقلاب العين عن الواو أكثرُ من انقلابها عن الياء، والعملُ إنّما هو على الأكثر، وبذلك وصّى سيبويه.

وأمّا "زاي"، فللعرب فيها مذهبان، منهم من يجعلها ثُلاثيةً، ويقول: "زاي"، ومنهم من يجعلها ثُنائيةً، ويقول: "زَيْ". فمَن جعلها ثلاثية، فينبغي أنّ يكون ألفها منقلبة عن واو، ويكون لامها ياء، فهو من لفظ "زَوَيتُ"، إلّا أنّ عينه اعتلّت، وسلمت لامُه. والقياسُ أن يعتلّ اللام، ويصح العين، كقولك: "هَوَى"، و"نَوًى"، و"شَوَى"، و"لَوَى"، لكنه أُلحق بباب "ثايَةٍ" و"غايَةٍ" في الشذوذ. والثايةُ. مأوى الإبل والغنم. والغايةُ: مَدَى الشيء، والعَلَمُ أيضًا، فهذه متى جُعلت اسمًا للحرف، أُعربت، فقلتَ: "هذه زايٌ حسنة"، و"كتبتُ زايًا حسنةً"، فإن هذه الألف ملحقة في الإعلال بـ "ثاي"، و"غاي"، وألفُه منقلبة عن واو على ما تقدّم.

وإذا كانت حرفَ هِجاء، فألفُه غير منقلبة, لأنه ما دام حرفًا، فهو غير متصرّف، وألفُه غيرُ مقضيّ عليها بالانقلاب؛ وأمّا من قال: "زَي" وأجراها مجرى "كَيْ"، فإنّه إذا سمّى بها، زاد عليها ياءً ثانيةً، وقال: "هذا زَيٌّ"، كما أنه إذا سمي بـ "كَيْ" زاد عليها ياءً أخرى، وقال: "هذا كَيٌّ"، و"رأيت كَيًّا".

وأمّا من قال: "زاء" فهمز، فهو ضعيف، وهي لغة قليلة جدًّا، ووجهُها أنّه يَشبّه هاهنا الألف بالزائدة إذ لم تكن منقلبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>