للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يجوز تقديمُ الخبر هنا، بل أيهما قدّمتَ فهو المبتدأُ".

* * *

قال الشارح: قد تقدّم من قولنا أن حَقَّ المبتدأ أن يكون معرفة، وحقَّ الخبر أن يكون نكرة بما أغنى عن إعادته.

وقد يكون المبتدأ والخبرُ معًا معرفتَيْن، نحوَ: "زيدٌ أخوك"، و"عمرٌو المنطلقُ"، و"الله إلهُنا"، و"محمَّدٌ نَبِيُّنا". فإذا قلت: "زيدٌ أخوك"، وأنت تريد أُخُوَّةَ النَّسَب، فإنّما يجوز مثلُ هذا، إذا كان المخاطَبُ يعرف زيدًا على انفراده، ولا يعلم أنه أخوه لفُرْقة كانت بينهما، أو لسَبَب آخرَ، أو يعلم أنّ له أخًا، ولا يدري أنّه زيدٌ هذا، فتقول: "زيدٌ أخوك" أي: هذا الذي عرفتَه هو أخوك الذي كنت علمتَه، فتكون الفائدةُ في اجتماعهما، وذلك الذي استفاده المخاطَبُ. فمتى كان الخبرُ عن المعرفة معرفة، كانت الفائدةُ في مجموعهما. فإن كان يعرفهما مجتمعَيْن، لم يكن في الإخبار فائدةٌ.

وكذلك إذا قلت: "زيدٌ المنطلقُ" فالمخاطَبُ يعرف زيدًا، ويعرف أنّ شخصًا انطلق، ولا يعلم أنه زيدٌ المنطلقُ، فزيدٌ معروفٌ بهذا الاسم منفردًا، والمنطلقُ معروفٌ بهذا الاسم منفردًا، غيرَ أنّ الذي عرفهما بهذَيْن الاسمَين منفردَيْن قد يجوز أن يجهل أنّ أحدَهما هو الآخرُ، ألا ترى أنّك لو سمعتَ يزيد، وشُهر أمرُه عندك من غيرِ أن تراه، لكنتَ عارفًا به ذِكْرًا وشُهْرَة، ولو رأيت شخصًا، لكنت عارفًا به عَيْنًا، غيرَ أنك لا تُركِّب هذا الاسمَ الذي سمعتَه على الشخص الذي رأيته إلَّا بمعرفة أُخرى بأن يُقال لك: "هذا زيدٌ فاعرفه".

فأمّا قولهم: "اللهُ رَبُّنا"، و"محمّدٌ نَبِيُّنا" فإِنمَّا يُقال ذلك رَدًا على المخالِف والكافرِ، أو يُقال على سبيلِ الإقرار والاعترافِ لطَلَب الثَّواب بقوله. وأمّا قولهم: "أنتَ أنتَ"، فظاهرُ اللفظ فاسدٌ, لأنّه قد أَخبر بما هو معَلومٌ، وأنّه قد اتحد الخبرُ والمخبَرُ عنه لفظًا ومعنًى. وحكمُ الخبر أن يكون فيه من الفائدة ماليس في المبتدأ، وإنّما جاز ههنا, لأنّ المراد من التكرير بقوله: "أنت أنت" أي: أنت على ما عرفتُه من الوَتِيرَة والمنزلةِ، لم تتغيّر معنى. وتكريرُ الاسم بمنزلةِ "أنت" على ما عرفتُه، وهذا مُفيدٌ يتضمّن ما ليس في الجزء الأول، وعليه قول أبي النجم [من الرجز]:

أنا أبو النجم وشِعْري شِعْري

معناه: وشعري شعري المعروفُ الموصوفُ كما بُلِّغْتَ، وعُرِّفْتَ، وعلى هذا قياسُ الباب، وإذا كان الخبر معرفة كالمبتدأ، لم يجز تقديم الخبر, لأنه ممّا يُشْكِل ويلتبس، إذ كل واحد منهما يجوز أن يكون خبرًا ومخبرًا عنه، فأيَّهما قدمتَ كان المبتدأ، ونظيرُ ذلك


= الجملة السابقة لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "أنا أبو النجم" حيث وقع المبتدأ والخبر معرفتين معًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>