للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يريد مساحِيَهنّ، فأسكن، ومن ذلك [من الوافر]:

كَفَى بالنَّأْيِ مِن أَسْماءَ كافِي ... وليس لحُبِّها إذ طالَ شافِي (١)

ومن ذلك المثلُ: "أعط القوس بارِيها" (٢) وهذا الإسكان في الياء لقربها من الألف، والواوُ محمولة عليها، وقوم من العرب يُجرون هذه الياء مجرى الصحيح، ويحرّكونها بحركات الإعراب، فتقول: "هذا قاضِىٌ"، و"رأيت قاضِيًا"، و"مررت بقاضِى"، ومن ذلك قول الشاعر [من البسيط]:

مواليٌ ككباش العوس سُحّاحُ (٣)

الشاهد فيه رفعُ "موالِيٌ" ضرورةً، والعُوسُ: ضربٌ من الغنم، يقال: "كَبْشٌ عُوسِيٌّ". وقيل: العُوس موضعٌ يُنسب إليه الكباش، وسُحّاحٌ بالحاء غير المعجمة: سِمانٌ. يقال: "شاةٌ شُحّاحٌ" كأنّها تسُحّ الوَدَكَ أي تصُبّه. ومن ذلك قول الآخر [من الكامل]:

ما إن رأيت ... إلخ

فبعضهم يجعل ذلك ضرورةً. وعلى هذا يكون قد جمع بين ضرورتَيْن: إحداهما أنّه قد كسر الياء في حال الجرّ، والثانية أنّه صرف. وقد ينشَد هذا البيت بالهمزة. ولا يقع في المجرور إلّا الياء, لأنّ الجرّ إنّما يكون في الأسماء المتمكنة، وليس في الأسماء المتمكّنة ما آخِرُه واو قبلها حركةٌ, لأنّ الحركة إن كانت فتحة، صيّرتْها ألفًا كـ"عَصًى"، و"رَحًى". وإن كانت كسرة، قلبتها ياءً كـ"الداعِي"، و"الغازي"، وليس في الأسماء اسمٌ آخِرُه واو قبلها ضمّة، إنّما ذلك في الأفعال؛ نحو: "يَغْزُو"، و"يَدْعُو". وسيوضح أمرُ ذلك، وعلّتُه فيما بعدُ، وقد رُوي لجرير [من الطويل]:

فيومًا يجازين ... إلخ

وذلك على لغة من يقول: "هذا قاضِيٌ"، و"رأيت قاضِيًا"، و"مررت بقاضِيٍ"، و"هو يَمْضِيُ، ويَغزُوُ"، فاعرفه.

* * *


= سمر": جارّ ومجرور متعلّقان بـ "قارعن"، و"سمر": مضاف. و"الطرق": مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدّرة منع من ظهورها ضرورة القافية.
وجملة "سوّى" ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب، وجملة "قارعن" لا محلّ لها من الإعراب لأنها صلة الموصول.
والشاهد فيه قوله: إسكان الياء من "مساحيهن" في حال النصب للضرورة.
(١) تقدم بالرقم ٨٧٦.
(٢) هذا مثل، وقد تقدم تخريجه.
(٣) تقدّم بالرقم ١٣٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>