للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن كان المثلان من كلمتين منفصلتين، كنت مخيَّرًا في الادغام وتركِه، وذلك نحو قولك: "أنْعَتُ تَلك"، "المالُ لزيد" و"ثوبُ بّكْر". فإذا أردتَ الادغام أسكنتَ الأوّل منهما, لأنّهما مثلان، فأرادوا أن يرتفع اللسانُ بهما رفعةً واحدةً، فيكون اللفظ بهما أخف، وكلّما كثُرت الحركات، حسُن الادّغام، وذلك نحو قوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُم} (١) بالادغام، فإن شئت قلت: "وَجَعَلَ لَكَ" من غير الادغام. وإنّما كان تركُ الادغام جائزًا في المنفصلين، ولم يجز في المتّصلين؛ لأنّ الكلمة الثانية لا تلزم الأولى، وإنّما وجب في المتّصلين للزوم الحرفين. قال الله تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} (٢) على ما ذكرتُ لك.

وأمّا "اقْتَتَلَ"، فيجوز فيه الوجهان: الادغامُ والإظهار، فالادغامُ لاجتماع المثلين في كلمة واحدة. وإذا أدغمت ففيه وجهان: فتحُ القاف، وكسرُها، فالفتحُ لأنّه لمّا كُره ظهور تائَيْن في كلمة، أُسكن الحرف الأوّل، ونُقل حركتها إلى القاف، فاستُغني عن همزة الوصل، فحذفوها، وقالوا: "قَتَّلَ" بفتح القاف وتشديد التاء. ومن كسر وقال: "قِتَّلَ"، فإنّه حذف حركةَ التاء حذفًا, ولم ينقلها إلى ما قبلها، ثمّ كسر القاف لالتقاء الساكنين.

وأمّا الوجه الثاني -وهو الإظهارُ- فلأنّ التاءين في حكمِ منفصلين من جهةِ أنّ تاء الافتعال لا يلزم أن يقع بعدها مثلُها، بل قد يقع بعدها غيرُ تاء، نحو: "اقتصر"، و"اقترب"، و"ابتدع"، و"ارتوى"، فصارا لذلك كالمنفصلين. وقوله: "فهي شبيهة بتاء تلك" يريد في قوله: "أنْعَتُ تّلك" أي: هي كالمنفصلة. وهذا موضعُ جَمْل، وسيوضح ذلك مفصَّلًا.

* * *

قال صاحب الكتاب: وما هو ممتنعٌ فيه، وهو على ثلاثة أضرب: أحدُها أن يكون أحدُهما للإلحاق، نحو: "قَرْدَد"، و"جَلْبَبَ". والثاني أن يُؤدّيَ فيه الادّغامُ إلى لَبْس مثال بمثال، نحو: "سُرُرٍ"، و"طَلَلٍ"، و"جُدَدٍ". والثالثُ أن ينفصلا، ويكونَ ما قبل الأوّل حرفًا ساكنًا غيرَ مدّة، نحو: "قَرْمُ مالِكٍ"، و"عَدُوُّ وَلِيد". ويقع الادّغامُ في المتقاربَين كما يقع في المتماثلَين، فلا بدّ من ذكرِ مَخارج الحروف لتُعْرَفَ متقاربتُها من متباعدتها.

* * *

قال الشارح: قد تقدّم قولنا: إِنّ الادغام إنّما جىء به لضرب من التخفيف؛ فإذا أدّى ذلك إلى فساد، عُدل عنه إلى الأصل، وكان احتمال التثقيل أسهلَ عندهم. وذلك على ثلاثة أضرب:


(١) النحل: ٧٢، ٧٨، ٨٠، ٨١، والزخرف: ١٠، ١٢. وفي الطبعتين: {وَجَعَلَ لَكُ}، وهذا تحريف.
(٢) الماعون: ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>