وأمّا التي بين الرخوة والشديدة فهي شديدة في الأصل، وإنّما يجري النَّفَسُ معها لاستعانتها بصوتِ ما جاوَرَ من الرخوة، كالعين التي يستعين المتكلّمُ عند لفظه بها بصوت الحاء، وكاللام التي يجري فيها الصوتُ لانحرافها واتصالِها بما قدّمنا ذكرَه من الحروف، كالنون التي تستعين بصوت الخياشيم لما فيها من الغنّة، وكحروف المدّ واللين التي يجري فيها الصوتُ للينها.
ومن أقسامها المُطْبَقة والمنفتحة؛ فأمّا المطبقةُ فأربعةُ أحرف: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء، وما سوى ذلك فمفتوحٌ غير مطبق. والإطباقُ أن ترفع ظهرَ لسانك إلى الحنك الأعلى مُطْبِقًا له، ولولا الإطباقُ لصارت الطاء دالًا، والصادُ سينًا، والظاء ذالًا، ولخرجت الضادُ من الكلام, لأنّه ليس من موضعها شيءٌ غيرُها، فتزول الضادُ إذا عدِمتِ الإطباقَ البتّة.
وأمّا المستعلية والمنخفضة، فمعنى الاستعلاء أن تتصعّد في الحنك الأعلى، فأربعةٌ منها مع استعلائها إطباق، وقد ذكرناها، وثلاثةٌ لا إطباقَ مع استعلائها، وهي الخاء والغين والقاف، وما عداها فمنخفضٌ.
وأمّا حروف القلقلة فهي خمسة: القاف، والجيم، والطاء، والدال، والباء، ويجمعها "قد طبج". وهي حروفٌ تخفى في الوقف، وتُضْغَط في مواضعها، فيُسْمَع عند الوقف على الحرف منها نَبْرَةٌ تتبعُه. وإذا شدّدتَ ذلك وجدتَه، فمنها القاف، تقول:"الحَقْ"، ومنها الكاف إلا أنّها دون القاف, لأنّ حصر القاف أشدُّ، وإنّما تظهر هذه النبرةُ في الوقف، فإن وصلتَ لم يكن ذلك الصوتُ، لأنّك أخرجت اللسان عنها إلى صوت آخر، فحُلْتَ بينه وبين الاستقرار.
وهذه القلقلةُ بعضُها أشدُّ حصرًا من بعض كما ذكرنا في القاف. وسُمّيت حروفَ القلقلة، لأنّك لا تستطيع الوقوفَ عليها إلا بصوت، وذلك لشدّة الحصر والضَّغْطِ نحو:"الحقْ"، "اذهبْ"، "اخلطْ"، "اخرجْ". وبعضُ العرب أشدُّ تصويتًا من بعض.
ومن ذلك حروف الصفير" وهي: الصاد، والزاي، والسين, لأنّ صوتها كالصفير، لأنّها تخرج من بين الثنايا، وطرف اللسان، فينحصر الصوتُ هناك ويُصْفَر به.
ومن ذلك حروف الذلاقة، وهي ما في "مر بنفل". وقيل لها ذلك؛ لأنّها تخرج من ذَوْلَق اللسان، وهو صدرُه وطرفُه، ولا تكاد تجد اسمًا رباعيًّا أو خماسيًّا حروفُه كلُّها أصول عارِيًا من شيء من هذه الحروف الستّة.
وأمّا المُصْمَتة فما عدا حروفَ الذلاقة، وقيل لها مصمتة كأنّه صُمِتَ عنها أن يبنى منها كلمةٌ رباعيّةٌ أو خماسيّةٌ معرّاةٌ من حروف الذلاقة، كأنّها أُصمتتْ عن ذلك، أي: أُسكتتْ. وقيل: إنّما قيل لها مصمتة لاعتياصها على اللسان.