قال الشارح: اعلم أنّ النحويين قد نظموا هذا النوع من التغيير في سِلْك الادغام، وسمّوه به، وإن لم يكن فيه ادغامٌ. إنما هو ضربٌ من الإعلال للتخفيف كراهيةَ اجتماع المتجانسَيْن كالادغام. وذلك قولهم:"ظلت" في "ظللت"، و"مست" في "مسست"، و"أحست" في "أحسست". وإنّما فعلوا ذلك؛ لأنّه لما اجتمع المثلان في كلمة واحدة، وتَعذّر الادغامُ لسكون الثاني منهما، ولم يمكن تحريكُه لاتّصال الضمير به، فحذفوا الأوّل منهما حذفًا على غير قياس، وهو الحرف المتحرّك. وإنما حذفوا المتحرّك، دون الساكن، لأنّهم لو حذفوا الثاني، لاحتاجوا إلى تسكين الأوّل، إذ كانت التاء التي هي للفاعل تُسكِن ما قبلها، فكان يؤدي ذلك إلى تكثير التغييرات.
قال أبو العبّاس: شبّهوا المضاعف ها هنا بالمعتلّ، فحُذف في موضع حذفه، فقالوا:"أَحَسْت" و"أَمَسْت"، كما قالوا:"أَقَمْت"، و"أَرَدْت"، وقالوا:"مِسْت"، و"ظِلْت"، كما قالوا:"كِلْت"، و"بِعْت"، كأنّهما استويا في باب "رَدَّ"، و"قامَ". وإنّما يُفعل ذلك في موضع لا يصل إليه الحركةُ بوجهٍ من الوجوه، وذلَك في "فَعَلْت"، و"فَعَلْنَ". فأمّا إذا لم يتصل به هذا الضميرُ، لا يُحذف منه شيءٌ؛ لأنّه قد تدخله الحركةُ إذا ثنّيتَ أو جمعتَ، نحو:"أَحَسَّا"، و"أمسّا"، و"أَحَسُّوا"، و"أَمَسُّوا"، و"أَحِسِّي"، و"أَمِسِّي". وإنّما جاز في ذلك الموضع للزوم السكون. وليس ذلك بجيّد ولا حسنٍ، وإنّما هو تشبيهٌ.
فأما "ظِلْتُ"، ففيه لغتان: كسرُ الأول وفتحُه. فمَن فتح حذف اللامَ، وترك الفاء مفتوحة على حالها. ومن كسر الفاء ألقى عليها كسرةَ العين، ثمّ حذفها ساكنةً، وكذلك "مَستُ".
وأمّا "أَحَسْت"، فليس فيه إلَّا وجهٌ واحدٌ، وهو فتحُ الحاء لإلقاء حركة العين عليها، إذ لو حذفوا السين الأوُلى مع حركتها، جتمع ساكنان: الفاء والسين الأخيرة، فكان يؤدّي إلى تغييرٍ ثانٍ، فلذلك قالوا:"أَحَسْت" لا غير. وعليه أنشدوا [من الوافر]:
سِوَى أنّ العِتاقَ مِن المَطايا ... أَحَسْنَ به فَهُنَّ إليه شُوسُ
وربّما قالوا:"أَحْسَيْنَ"، كأنّه أُعلّ الحرف الثاني بقلبه ياءً على حدٍّ "قَصَّيْتُ أَظفاري".
* * *
قال صاحب الكتاب: وقول بعض العرب: "استخذ فلان أرضاً"، لسيبويه فيه مذهبان (١): أحدهما: أن يكون أصله: "استتخذ", فتحذف التاء الثانية، والثاني: أن يكون "اتخذ", فتبدل السين مكان الأولى. ومنه قولهم:"يسطيع" بحذف التاء، وقولهم: