قال الشارح: إنّما خصّ أهل الحِجاز دون غيرهم, لأنّ أهلَ الحجاز يُظْهِرون الخبرَ فيظهَر فيه العملُ، وبنو تَمِيم لا يُظْهِرونه ألبتةَ فلا يظهَر فيه عملُ "لَا".
واعلم أنّ "لا" النافيةَ على ضربَيْن: عاملةٌ وغيرُ عاملة. فالعاملةُ التي تنفي على جهةِ استغراقِ الجنس, لأنها جوابُ "ما كان" على طريقةِ "هل من رجلٍ في الدار"؟ فدُخولُ "مِنْ" في هذا لاستغراق الجنس، ولذلك تختصّ بالنكرات لشُمولها. ألا ترى أنه لا يجوز "هل من زيدٍ في الدار؟ " كما يجوز "هل زيدٌ في الدار؟ " فهذه التي لاستغراقِ الجنس عاملةٌ النصبَ فيما بعدها من النكرات المفردةِ، ومبنيةٌ معها بناء "خمسةَ عشرَ"، وإنّما استحقّت أن تكون عاملةَ لشَبَهها بـ "إِنَّ" الناصبة للأسماء. ووَجْهُ الشَّبَه بينهما أنها داخلةٌ على المبتدأ والخبر كما أن "إنّ" كذلك، وأنّها نَقِيضةُ "إنَّ" لأن "لا" للنفي و"إنَّ" للإيجاب، وحَقّ النقيض أن يُخْرَج على حَد نقيضه من الإعراب، نحو:"ضربتُ زيدًا"، و"ما ضربتُ زيدًا"، فقولك:"ضربت زيدًا" فعل وفاعلٌ ومفعولٌ، وقولك:"ما ضربت زيدًا" نفىٌ لذلك، ومع ذلك فقد أعربتَه إعرابه من حيث كان نقيضَه يُشْعِر بمعنى الرفع له. فلمّا أشبهت "لا""إنَّ" وكانت "إنَّ" عاملة في المبتدأ والخبر؛ كانت "لا" كذلك عاملة في المبتدأ والخبر، لأنها تقتضيهما جميعًا كما تقتضيهما "إنَّ". ولمّا نصبوا بها, لم تعمل إلَّا في نكرة على سبيلِ حرفِ الخفض الذي في المسألة، لائها كالنائبة عنها، إلا أن "لا" بُنيت مع النكرة؟ لأتها لمّا وقعت في جواب "هل من رجلٍ عندك؟ " على سبيلِ الاستغراق، وجب أن يكون الجوابُ أيضًا بحرفِ الاستغراق الذي هو "مِنْ"، ليكون الجوابُ مطابقًا للسؤال فكان قياسُه "لا من رجلٍ في الدار"، ليكون النفيُ عامًّا كما كان السؤالُ عامًّا، ثم حُذفتْ "مِنْ" من اللفظ تخفيفًا، وتَضمَّن الكلامُ معناها. فوجب أن يُبْنَى لتضمّنه معنى الحرف كما بُني "خمسةَ عشرَ" حين تَضمَّن معنى حرفِ العَطْف.
فإن قيل: أيكون الحرفُ مع الاسم اسمًا واحدًا؟ قيل: هذا موجودٌ في كلامهم، ألا ترى أَنَّك تقول:"قد علمتُ أن زيدًا منطلقٌ"، فـ"أنَّ" حرف، وهو مع ما عمِل فيه اسمٌ واحدٌ، والمعنى: علمتُ انطلاقَ زيد، وكذلك "أن" الخفيفةُ مع الفعل المضارع إذا قلت: "أُرِيدُ أن تقومَ"، والمعنى: أريد قِيامَك. فكذلك "لا" والاسمُ المنكرُ بعدها بمنزلة اسم واحد. ونظيره قولك:"يا ابنَ أُمِّ، فالاسمُ الثاني في موضع خفض بالإضافة وجُعلا اسمًا واحدًا، وكذلك "لا رجلَ في الدار" فـ "رَجُلَ" في موضع منصوب منوَّنٍ، لكنّه جُعل مع "لا" اسمًا واحدًا. ولذلك حُذف منه التنوينُ، وبُني على حركةٍ، لأن له حالة تمكُّن قبل البناء، فمُيّز بالحركة عمّا بُني من الأسماء، ولم يكن له حالةُ تمكُّن، نحو: "منْ" و"كَمْ".
وخُصّ بالفتحة لأنّها أخفُّ الحركات، وليس الغرضُ إلَّا تحريكَه، فلم يكن بنا حاجة إلى تكلُّف ما هو أثقلُ منها، فلذلك نقول: "لا رجلَ عندك، ولا غلامَ لك"، تريد