للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاسمُ مجرورًا بالباء، فإذا سقطت الباءُ كان الاسم مرفوعًا، نحو: "كفى الله"؛ لأنّه لم يكن موضعهما نصبًا بل رفعًا. وكذلك تقول: "بحَسْبك زيدٌ"، فإذا سقط الخافضُ، قلت: "حَسْبُك زيدٌ" بالرفع؛ لأنه كان في موضع مبتدأ. وكذلك تقول: "ما جاءني من أحدٍ". وتقول: "ما جاءني أحدٌ" فترفع, لأنّ موضعه كان مرفوعًا، فبان بما ذكرته أنّ خبر "ما" ليس منصوبًا بما ذكروه من سقوطِ الباء، وإنّما هو بنفس الحرف الذي هو بنفس الحرف الذي هو "ما" للشَّبَه الذي ذكرناه.

وأمّا بنو تميم فإنّهم لا يُعْمِلونها ويجرون فيها على القياس ويجعلونها بمنزلةِ "هَلْ" والهمزة، ونحوهما ممّا لا عملَ له لعدمِ الاختصاص على ما تقدّم.

وأمّا "لَا" المشبّهة بـ "ليس" فحُكْمُها حكمُ "ما" في الشَّبَه والإعمال. ولها شرائطُ ثلاثٌ: أحدها أن تدخل على نكرة، والثاني أن يكون الاسمُ مقدَّمًا على الخبر. والثالث أن لا يُفْصَل بينها وبين الاسم بغيره، فتقول: "لا رجلٌ منطلقًا" كما تقول: "ليس زيدٌ منطلقًا"، ويجوز أن تدخل الباء في خبرها لتأكيد النفي كما تدخل في خبر "لَيْسَ" و"ما"، تقول: "لا رجلٌ بقائم" كما تقول: "ليس زيدٌ بقائم". وبجوز حذف الخبر منه. قال سَعْدُ بن مالك:

مَن صَدَّ عن نِيرانها ... إلخ

وصف نفسه بالشجاعة والثبات في الحرب. إذا فَرَّ الأقرانُ، والهاء في "نيرانها" تعود إلى الحرب، جعل "لا" بمنزلةِ "ليس"، ورَفَعَ "براح" بها، والخبرُ محذوف، وتقديره: لا بَراحٌ لي. ويجوز أن يكون رفع "براح" بالابتداء وحذف الخبرَ، وهو رأيُ أبي العَبَّاس المبرَّد (١) والأوّل أجود, لأنّه كان يلزم تكريرُ "لا"، كقوله تعالى: {لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ} (٢). هذا رأيُ سيبويه (٣). ومن ذلك قوله تعالى: {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} (٤) هي لا هذه دخلت عليها التاء لتأنيث الكلمة, لأنّ "لا" كلمةٌ، ومثلها تاء "ثُمَّت". وقيل: دخلت للمبالغة في النفي كما قالوا: "علّامةٌ" و"نَسَّابةٌ". والتقدير: ولات حينٌ نحن فيه حينَ مناص، فالاسمُ محذوف إلَّا أنَّ عملها مختصٌ بـ"الحين" فَلِـ"لَاتَ" حالٌ مع "الحين"، ليست لها مع غيره، كما كان لـ"لَدُنْ" مع "غدْوَةٍ" حين نَصَبَها، نحو: "لدن غدوةً". ولا يكون اسمها إلَّا مضمرًا، وقد شبّهها سيبويه بـ"لَيْسَ"، ولا يَكُون في الاستثناء من حيث إِنَّ اسمها لا يكون إلَّا مضمرًا، من نحو: "أتاني القوم ليس زيدًا، ولا يكون زيدًا"، والتقدير: ليس بعضهم زيدًا، ولا يكون بعضهم زيدًا، وكذلك "لَاتَ" مع "الحين"، وقد


(١) انظر: المقتضب ٤/ ٣٥٧ - ٣٦٣.
(٢) البقرة: ٢٥٤.
(٣) انظر: الكتاب ٢/ ٢٩٥، ٢٩٦.
(٤) ص:٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>