للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فـ "نصرٌ" الثاني محمول على لفظِ الأول، والثالثُ محمول على الموضع، كما تقول: "يا زيدُ العاقلُ، والعاقلَ", لأنّ مجرَى عطفِ البيان والنعتِ واحدٌ.

وقد أنشدوا البيتَ على ثلاثةِ أَوْجه: "يا نصرُ نصرٌ نصرًا"، وهو اختيارُ أبي عمرو، و"يا نصرُ نصرا نصرًا"، لجَرْي المنصوبَيْن مجرَى صفتَيْن منصوبتَيْن بمنزلةِ "يا زيدُ العاقلَ اللَبِيب". وكان المازنيُّ يقول: "يا نصرُ نصرًا نصرَا" ينصبهما على الإغراء, لأنّ هذا نصرٌ حاجبُ نصرِ بن سيّارٍ كان حَجَبَ رؤبةَ ومنعه من الدخول، فقال: اضْرِبْ نصرًا أو لُمْهُ".

ويُروى: "يا نصرُ نصرُ نصرا" بجعلِ الثاني بدلاً من الأوّل، ولذلك لم يُنَوِّنْه، والثالثُ منصوبٌ على المصدر، كأنّه قال: انْصُرْني نصرًا، وسيوضَح أمرُ البدل وعطفِ البيان في موضعهما من هذا الكتاب، إن شاء الله تعالى.

وأمّا العطف بحرفٍ، فنحو: "يا عمرُو والحارثُ والحارثَ"، إذا عطفتَ اسمًا فيه الألفُ واللامُ على مفردٍ، جاز فيه وجهان: الرفعُ والنصبُ. تقول في الرفع: "يا زيدُ والحارثُ"، وهو اختيارُ الخليل وسيبويه والمازني (١)، وقرأ الأَعْرَجُ: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} (٢).

وتقول في النصب: "يا زيدُ والحارثَ"، وهو اختيارُ أبي عمرو ويُونُسَ، وعيسَى بن عمر، وأبي عمر الجَرمّي، وقراءةُ العامّة: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} بالنصب.

وكان أبو العبّاس المبرّد يرى أنّك إذا قلت: "يا زيدُ والحارثُ"، فالرفعُ هو الاختيارُ عنده، وإذا قلت: "يا زيدُ، والرجلَ"، فالنصبُ هو المختارُ، وذلك أنّ "الحارث"،


= باعتبار لفظه. "نصرًا": عطف بيان على "نصر" باعتبار المحل.
وجملة "إني وأسطار": الاسمية لا محل لها من الإعراب لأنها ابتدائيّة. وجملة" ... أسطار": الفعليّة لا محل لها من الإعراب لأنها اعتراضية. وجملة "سطرن سطرًا": الفعليّة في محلّ جرّ نعت لـ "أسطار". وجملة "يا نصر ... ": الفعلية في محلّ نصب مفعول به.
والشاهد فيه قوله: "يا نصر نصر نَصرًا"، فإن قوله: "نصر" الأول منادى، وقوله: "نصر" الثاني عطف بيان عليه باعتبار لفظه، وقوله: "نصرًا" الثالث عطف بيان عليه باعتبار محلّه، ولا يجوز في الثاني أو الثالث أنّ يُجعَلَ بدلاً من المنادى، وذلك لأنّ البدل على نية تكرار العامل، فلو أدخلت حرف النداء على واحد من هذين، لما جاز رفع الأوّل ونصب الثاني، إذ كلّ واحد منهما علم مفرد، والعلم المفرد إذا دخل عليه حرف النداء، وجب بناؤه على الضمّ، لكنّ عطف البيان ليس كذلك، بل يجوز فيه الإتباع على اللفظ فيرفَع، والإتباع على المحل فيُنصَب.
(١) الكتاب ٢/ ١٨٦، ١٨٧.
(٢) سبأ:١٠. وهذا قراءة وقد تقدّم تخريجها منذ قليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>