للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: "أي اتّقِ نفسَك أن تتعرّض للأسد، والأسدَ أن يُهْلِككَ"، فهو تفسيرُ المعنى، والإعراب على ما ذكرتُه.

ومن ذلك قولهم: "رأسَك والحائطَ"، فينتصب "الرأس" هاهنا بفعل مضمر، و"الحائطَ" مفعول معه، والتقدير: دَعْ رأسَك والحائطَ، أي: مع الحائط، كقولك: "استوى الماءُ والخَشَبَة".

ويجوز أن يكون التقدير: اتّقِ رأسَك والحائطَ، وهو تحذير، كأنّه على تقديرَيْن: أي اتّق رأسَك أن يدُقّ الحائطَ، واتّق الحائطَ أن يُصيب رأسَك، فينتصب كلُّ واحد منهما بفعل مقدَّر.

فإذا كُرّرت هذه الأسماء، ازداد إظهارُ الفعل قُبْحًا، لأن أحد الاسمَيْن كالعوض من الفعل، فلم يُجمع بينهما.

ومن ذلك قولهم: "مازِ رأسَك والسيفَ"، فهذا كقولهم: "رأسَك والحائطَ"، وهو تحذير. والمرادُ بقوله: "مازِ": "مازنُ"، ثمّ رخّم، ولم يكن اسمُ الذي خُوطِبَ بهذا "مازنًا"، ولكنّه من بني مازن بن العَنْبَر بن عمرو بن تميم، وكان اسمُه كِرامًا أسَرَ بُجَيْرًا القُشَيْريَّ، فجاءه قَعْنَبٌ اليَرْبُوعيُّ ليقتلَه، فمَنَعَه المازنيّ منه، فقال للمازني: "مازِ رأسَك والسيفَ"، سمّاه مازنًا إذ كان من بني مازن. ويحتمل أن يكون أراد: مازنيُّ، ولمّا غلبت عليه هذه النسبةُ صارت كاللَّقَب، فرخّم بحذف ياءَي النسبة كما تقول: "يا طائِفِ" في "يا طائفيُّ"، فبقي "مازن"، ثمّ رخمه ثانيًا. ومثلُه في الترخيم كثير.

وقالوا: "إيايَ والشرَّ"، وليس الخطابُ لنفسه، ولا يأمرها، وإنّما يخاطب رجلًا، يقول له: "إيايَ باعِدْ عن الشرّ"، ويوقِع الفعلَ المقدّرَ عليه، فيجيء بالواو ليجمَع بينهما في عمل الفعل، إذ كان الفعل عاملًا في الأوّل.

ومثله: "إيايَ وأن يحذف أحدُكم الأرنبَ" يعني يَرْمِيَه بسيف، أو ما أشبهَه،

فـ "أَنْ" في موضع نصب، كأنّه قال: "إيايَ وحَذْفَ أحدِكم الأرنبَ".

وقال الزجّاج: إِنّ معناه: إيايَ وإيّاكم، ودلّ عليه قوله: "وأن يحذف أحدكم الأرنب". ولو حُذف الواو هنا، لجاز مع "أَنْ"، فيقال: "أن يحذف أحدكم الأرنب". ولو صرّح بالمصدر، لم يجز حذفُ الواو ولا "مِنْ". والفرقُ بينهما أن "أَنْ" وما بعدها من الفعل وما يعمل فيه مصدرٌ، فلمّا طال جوّزوا فيه من الحذف ما لم يجز في المصدر الصريح، فاعرفْه.

<<  <  ج: ص:  >  >>