للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} (١)، وهو مرفوع بالابتداء، وقال الله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} (٢)، فنصب "كلاَّ", لأنّ قبله فعلاً وهو {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ} (٣)، وأضمر له فعلاً نَصَبَه به، ثمّ عطفها على الأولى لتشاكُلهما في الفعلية. وإذا كان النصبُ من غير تقدُّم فعلٍ جائزًا، كان مع تقدُّمه مختارًا، إذ فيه تشاكُلُ الجملتَيْن من غير نقضٍ للمعنى.

قال الله تعالى {يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (٤). لمّا كان قد تقدّم {يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ} (٥). نصب "الظالمين" بإضمار "يُعذِّب الظالمين" أو "يُهِين".

وقال تعالى: {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ} (٦). نصب "فريقًا"، لأنّ قبله "فريقًا هدى". ونظائرُه في القرآن كثيرة.

ويجوز الرفع في الجملة الثانية، وإن كان قبلها جملةٌ فعليّةٌ، فتكون الجملةُ الثانيةُ كجملةٍ مبتدأةٍ، وليس قبلها فعلٌ، وذلك قولك: "لقيتُ زيدًا، ومحمّدٌ أكرمتُه" لم تحتفِل بتقدُّم الفعل الذي هو"لقيت زيدًا" إذ كانت جملة قائمة بنفسها، فصار كأنك قلت: "محمَّد أكرمته" ابتداءً، فعطفت جملة على جملة، كقولك: "قام زيدٌ، ومحمّدٌ أفضلُ منه"، فهذا لا يجوز فيه إلّا الرفعُ.

* * *

قال صاحب الكتاب: "فأما إذا قلت: "زيدٌ لقيت أباه, وعمرًا مررت به", فذهب التفاضل بين رفع "عمرو" ونصبه, لأن الجملة الأولى ذات وجهين".

* * *

قال الشارح: قد تقدّم من قولنا أنّه إذا كان الكلام مبتدأً وخبرًا، وعطفتَ عليه جملةً، في أوّلها اسمٌ، وبعده فعل واقعٌ على ضميره، كان الاختيارُ رفعَ الاسم الثاني بالابتداء، نحوَ قولك: "زيدٌ أخوك، وعمرٌو كلّمتُه"، لأنّه لم يتقدّم الجملةَ الثانيةَ ما يصرفه إلى النصب، فجرى كحاله لو لم تتقدّمه جملةٌ أصلًا.

فأمّا إذا كان الكلام مصدَّرًا بفعلٍ، كان الاختيارُ في الاسم الذي في الجملة الثانية النصبَ على إضمار فعل على ما أصّلناه. فإذا قلت: "زيدٌ لقيتُه"، ففيه جملتان: إحداهما اسميّةٌ، وهي الجملة الكبْرَى التي هي المبتدأ والخبر، وهي "زيدٌ لقيته" بكمالها. والثانيةُ فعليّةٌ، وهي الخبر الذي هو "لقيته" وهي الجملة الصُّغْرَى. فالجملةُ الأوُلى لا موضع لها من الإعراب لأنها لم تقع موقع المفرد. والجملة الثانية لها موضع من الإعراب لأنها وقعت موقع المفرد الذي هو الخبر في "زيدٌ قائمٌ" وشِبْهِه. وإذ قد تقرَّر ذلك، فأنت إذا


(١) يس: ٣٧.
(٢) الإسراء: ١٣.
(٣) الإسراء: ١٢.
(٤) الإنسان: ٣١.
(٥) الإنسان ٣١.
(٦) الأعراف: ٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>