للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: "زيدٌ لقيتُه، وعمرٌو كلّمتُه"، كنتَ في "عمرو" بالخِيار، إن شئت رفعتَه، وإن شئت نصبتَه، لأنّه قد تقدّمه جملتان: إحداهما اسميةٌ، وهي قولك: "زيد لقيته". بكمالها، والثانيةُ قولك: "لقيته". فإن عطفتَ على الجملة الاسمية، رفعتَ "عمرًا", لأنّ صَدْرَ الجملة اسمٌ، وإن عطفت على الجملة التي هي "لقيته"، نصبتَ لأنّ صدرَ الجملة فعلٌ. وليس إحداهما أَوْلى من الأخرى. فهذا معنى قوله: "ذهب التفاضُل بين رفعِ عمرو ونصبه"، يعني ليس النصب أَوْلى من الرفع، ولا الرفعُ أولى من النصب.

قال: "لأن الجملة الأولى ذاتُ وجهَيْن" يعني أنّها مشتمِلةٌ على جملة اسمية وجملة فعلية، فهي ذات وجهين لذلك. وهذا فيه إشكالٌ، وذلك أنّك إذا قلت: "زيد لقيته، وعمرو كلّمته"، لم يجز حَمْلُ "عمرو كلّمته" على "لقيته"، وذلك، لأنّ "لقيته" جملةٌ لها موضعٌ من الإعراب، ألا ترى أنك تقول: "زيد قائمٌ"، فيقع موقعها اسمٌ واحدٌ، وهو خبرُ "زيد"، فكلُّ شيء عُطف عليها صار في حكمها خبرًا لـ "زيد". وأنت لو جعلت "عمرًا ضربته" خبرًا عن "زيد"، لم يجز لخُلُوّه من العائد إلى "زيد"، إذ الهاء في "ضربته" إنّما تعود إلى "عمرو". فإن جئت بعائد فيها فقلت: "زيدٌ عمرًا ضربتُه عنده"، جازت المسألةُ، فالهاءُ في "ضربته" تعود إلى "عمرو"، والهاءُ في "عنده" تعود إلى "زيد"، ولا شك أنه إنّما لم يذكر ذلك لأنّه معلوم، فلم يحتج إلى التعرّض له، فأجاز الوجهين بشرطِ وُجودِ شرائطه من الضمير وغيرِه، فاعرفه.

* * *

قال صاحب الكتاب: "فإن اعترض بعد الواوما يصرف الكلام إلى الإبتداء, كقولك: "لقيت زيدًا, وأما عمرٌو فقد مررت به"، و"لقيت زيدًا, وإذا عبد الله يضربه عمرٌو"، وعادت الحال الأولى جذعة. وفي التنزيل: {وأما ثمود فهديناهم} (١). وقرئ بالنصب (٢) ".

* * *

قال الشارح: يعني بعد وجودِ ما يُختار معه النصب نحو تقدُّم جملة فعليّة، أو غيرِ ذلك، إذا وُجد في الجملة المعطوفة ما يصرف الكلامَ إلى الابتداء، صار الاختيار فيه الرفعَ، ويصير المعترِضُ من قبيل المانع. وذلك قولك: "لقيت زيدًا، وأمّا عمرو فقد مررت به"، و"رأيتُ زيدًا، وإذَا عبدُ الله يشتِمه عمرٌو". فالرفعُ ها هنا هو الوجه المختار، وإن كان قد تقدّمت جملة فعليةٌ، لأنّ "أمَّا"، و"إذَا" ليسا من حروف العطف كالفاء والواو فتحمِلَ بهما


(١) فصلت:١٧.
(٢) قرأ بالفتح عاصم والأعمش وابن أبي إسحاق.
انظر: تفسير الطبري ٢٤/ ٦٧؛ وتفسير القرطبي ١٥/ ٣٤٩؛ والكشاف ٣/ ٤٤٩؛ وتفسير الرازي ٢٧/ ١١٣؛ ومعجم القراءات القرآنية ٦/ ٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>