"ذُهب يزيد"، فالباءُ وما عمِلت فيه في موضع رفع اسم ما لم يُسمَّ فاعله, لأنّه لا بدّ للفعل من فاعل، أو ما يقوم مقامَ الفاعل، وليس معك ما يقوم مقامَ الفاعل إلّا الباءُ وما اتّصلت به، فأُقيمت مُقامَ الفاعل، فكانت في موضع رفع لذلك، فوجب أن يكون الاسم مرفوعًا، لأنّ الذي اتّصلت به كنايتُه مرفوعٌ، وصار بمنزلةِ "أزيدٌ ذهب أخوه" لأنّ كنايته قد اتّصلت بمرفوع، وهو الأخ.
وارتفاعُ "زيد" في قولك "أزيدٌ ذُهب به" على وجهَيْن: أحدُهما بالابتداء، والآخرُ بأنّه فاعلُ فعلٍ محذوفٍ. وإن أسندتَ الفعل في قولك:"أزيدٌ ذُهب به" إلى مصدره، كان الجارّ والمجرور في محلِّ منصوب، وتقديرُه "ذُهب الذهابُ به". وجاز نصبُ الاسم الذي هو "زيدٌ"، وكان مختارًا، لأن ضميره في محلِّ نصب، وهذا لاختلافٍ فيه بين أصحابنا.
* * *
قال صاحب الكتاب:"وأن يقع بعد "إذا", كقولك: "إذا عبد الله تلقاه فأكرمه", و"حيث زيدًا تجده فأكرمه"".
* * *
قال صاحب الكتاب: ومن ذلك "إِذَا" الزمانيةُ و"حيْثُ" إذا وقع بعدهما اسمٌ، وبعده فعلٌ واقعٌ على ضميره، فيختار فيه النصب، وذلك نحو قولك:"إذا زيدًا تلقاه فأكرمه"، و"حيث زيدًا تجده فأعْطِه" لأنّ فيهما معنى المجازاة. والمجازاةُ إنّما تكون بالفعل، فلمّا كان الموضعُ موضعَ فعل، اختير نصبُ الاسم بعدهما بإضمارِ فعل يفسّره الظاهرُ. فإذا قلت:"إذا زيدًا تلقاه"، فتقديرُه: إذا تلقى زيدًا تلقاه، وكذلك "حَيْثُ" تقول: "حيث زيدًا تجدُه فأكرمه"، وتقديرُه: حيث تجد زيدًا تجده فأكرمه، لِما ذكرناه من أنّ فيهما معنى المجازاة. وذلك لأن قولنا:"إذا عبدَ الله تلقاه" يوجِب الأوقاتَ المستقبلةَ كلَّها، ولا يخُصّ وقتًا من وقت، فهي بمنزلةِ "مَتَى"، و"حَيْثُ" توجب الأماكنَ كلَّها، ولا تخصّ مكانًا دون مكان، فهي بمنزلةِ "أَيْنَ"، غيرَ أنّ "متى" و"أين" تجزِمان، و"إذا" و"حيث" لا تجزمان عند البصريين إلّا في ضرورة الشعر.
وقد أجاز سيبويه رفعَ الاسم بعدهما بالابتداء (١). والذي أراه أنّ ذلك جائزٌ في "حيث" لأنّها قد تخرج من معنى الجزاء إلى أن يكون بعدها المبتدأُ والخبرُ، تقول:"لقيتُه حيثُ زيدٌ جالسٌ"، فتكون نظيرةَ "إذْ" في الزمان في وقوعِ الابتداء والخبر بعدها، نحو قولك:"لقيتُه إذ زيدٌ جالسٌ".
وأمّا "إِذَا"، فلا تنفكّ من معنى المجازاة، لأنّها لا تقع إلّا للمستقبل، فإذا وَلِيَها الاسمُ،