للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنّ نَصْبَ "كُلاَّ" بإضمارِ فعل لِما بعده من الدعاء، والتقديرُ: فجَزَا اللهُ كلاَّ جزاه اللهُ. ومن الدعاء: "أمّا زيدًا فجَدْعًا له، وأمّا عمرًا فسَقْيًا له"، فالاختيارُ النصب، لأنّك تريد: جَدَعَهُ الله جَدْعَا، وسَقاه الله سَقْيًا. ولو كان الدعاء بغير فعلٍ، ولا في تقدير فعلٍ؛ لم يُنصَب الاسم الأول، نحوَ: "أمّا زيدٌ فسلامٌ عليه، وأمّا الكافرُ فوَيْلٌ له"، لعدم ما يفسِّر الفعلُ.

* * *

قال صاحب الكتاب: "واللازم أن تقع الجملة بعد حرف لا يليه إلا الفعل, كقولك: "إن زيدًا تره تضربه". قال [من الكامل]:

لا تجزعي أن منفساً أهلكته ... [وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي] (١)

وهلا وألاً ولولا ولوما بمنزلة "إن", لأنهن يطلبن الفعل ولا تُبتدأ بعدها الأسماء.

* * *

قال الشارح: اعلم أنّ الاسم إذا وقع بعد حرف الجزاء، وكان بعده فعلٌ واقعٌ على ضميره، نصبتَه بإضمار فعل يفسِّره الظاهرُ، كما قلنا في الاستفهام؛ إلّا أنّ النصب ههنا يقع لازمًا، وفي الاستفهام مختارًا، وذلك لأن الشرط لا يكون إلّا فعلًا ولا يَلِيه مبتدأُ وخبرٌ. فلا تقول: "إنْ زيدٌ قائمٌ أَقُمْ وقد يجوز في الاستفهام أن تقول: "أزيدٌ قائمٌ". فقد علمتَ أن حروف الجزاء أَلْزَمُ للفعل من حروف الاستفهام. ولذلك كان نصبُ الاسم في الاستفهام، إذا وقع الفعلُ على ضميره، مختارًا مع جَوازِ الرفع على الابتداء، وكان نصبُه مع حروف الجزاء لازمًا، ولا يجوز رفعُه على الابتداء لِما ذكرنا من أنّ الشرط لا يكون إلّا فعلًا. فإذا قلتَ: "إنْ زيدًا تَرَه تضربْه"، نصبتَ "زيدًا" بإضمار فعلٍ، لأنّك شغلتَ الفعلَ الذي بعده بضميره، وتقديرُه "إن تَرَ زيدًا تَرَه". ومنه قول الشاعر [من الكامل]:

لا تَجْزَعِي إِنْ مُنْفِسًا أهلكتُه ... وإذا هلكتُ فعِنْدَ ذلك فاجْزَعِي

البيت للنمر بن تَوْلَب، والشاهدُ فيه نصبُ منفسًا بفعل مقدَّر محذوف، وتقديرُه: لا تجزعي إن أهلكتُ منفسًا أهلكتُه، ولو رفع على تقدير إن هَلَكَ منفسٌ لَجاز، لأنّه إذا أهلكَه فقد هلك، كأنّه يصف نفسَه بالكَرَم، وأنه لا يُصْغِي إلى من يلومه في ذلك، فهو يقول: إنّ امرأته لامته على إتلاف ماله جَزَعًا من الفَقْر، فقال لها: لا تجزعي لإتلافي نفِيسَ المال، فإني قادرٌ على إخلافه، وإنّما إذا هلكتُ فاجْزعي، فإنّه لا خَلَفَ لك عنّي.


(١) تقدم بالرقم ١٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>