فمعناه: لولا تعدّون الكميَّ المقنَّعَا، فنصب الكميَّ المقنّعَا بإضمارِ فعل لدلالةِ ما تقدّم من قوله:"تعدّون عقر النيب" عليه.
وجملةُ الأمر أنّ الحروف حين كانت لمعانٍ في الأسماء والأفعال، وليس لها في أنفسها معنًى، فمنها ما يختصّ بالاسم، ولا يدخل الفعلَ نحو "إِنَّ" وأخواتِها، وحروفِ الجرّ وغيرِها، ومنها ما يختصّ بالفعل، ولا يَلِي الاسمَ نحو حروفِ الجزاء، وحروفِ الجزم وغيرِها، ومنها ما يدخل على القبيلَيْن الاسمِ والفعلِ، نحو حروفِ النفي، وحروفِ الاستفهام. فأمّا ما يختصّ بالفعل، وهو ما نحن بصَدَده، فذلك ضربان: ضربٌ يحسُن أن يُحذف الفعل منه، ويَلِيه الاسمُ في الظاهر نحو ما ذكرناه من حرف الجزاء، وهو"إِنْ" وحروفِ التحضيض المذكورةِ، وهي "هَلَّا" وأخواتُها، وضربٌ لا يحسن حذفُ الفعل منه، وإيلاءُه الاسمَ، وذلك نحو قولك:"قَدْ"، والسينِ وسَوْفَ، فهذه لا يحسن حذفُ أفعالها، ولا الفصلُ بينها وبين أفعالها بمعمولها، فلا تقول:"سوف زيدًا أضربه"، ولا "سوف زيدًا أضرب". وذلك لأنّ هذه الحروف تتنزّل منزلةَ الجُزْء من الفعل، فهي من الفعل بمنزلة الألف واللام من الاسم، وذلك لأنّ السين وسوف تقصِران الفعلَ لوقتٍ بعينه، وهو المستقبلُ، بعد أن كان شائعًا في الاستقبال والحالِ، كما تقصر الألفُ واللام الاسمَ على واحد بعينه بعد شِياعه. وكذلك "قَدْ" تُقرِّب الماضي من الحال، وهو نوعُ تخصيص. ولهذا المعنى لم تكن عاملةً في الفعل، وإنّما جارّ إضمارُ الفعل بعد "لَوْلَا" وأخواتِها. والفصلُ بينها وبين الفعل الواقِع بعدها بمعموله من قِبَل أنّ معانيها الحَضَّ في المستقبل وهو استدعاءٌ، واللَّوْمَ والتوبيخَ في الماضي، أشبهتِ الأفعالَ، فجاز أن يليها الاسمُ كما يلي الفعلُ.